في أعالي جرود بلدة طاريا ــ شمسطار في السلسلة الغربية، بين قرى غربي بعلبك، وبلدات كفرذبيان وفاريا، غزت روائح حرق النفايات الأودية التي تتناثر فيها خيم أكثر من 60 مربي ماشية من أبناء قرى في قضاء بعلبك. استغرب الجميع مصدر تلك الروائح، لعلمهم بأن المنطقة بعيدة عن المكبات التي تعتمدها القرى والبلدات في غربي بعلبك لحرق نفاياتها.
لم يصدق أحمد حمية أحد مربي الماشية ما رأته عيناه لدى توجهه للتفتيش عن سبب تلك الروائح والدخان المنبعث من بين حنايا تلك الجرود. أكوام من النفايات، بعضها يحترق، مكدسة في أماكن متعددة في جرود السلسلة الغربية، عند كل طريق فرعية من طريق حدث بعلبك ــ فاريا ــ عيون السيمان. يؤكد حمية لـ"الأخبار" أن النفايات مكدسة في أكثر من خمسة أماكن في جرود السلسلة الغربية بين أراضي بلدة طاريا والسلوقي ــ شمسطار، من بينها كسارة قديمة، مرجحاً أن رمي النفايات "بدأ منذ أقل من أسبوع"، لأنه جال في المنطقة قبل أيام ولم يكن فيها نفايات، وأن كل موقع أفرغت فيه حمولة 3 شاحنات، و"لجأ أصحاب الشاحنات إلى إضرام النار فيها بغية إخفاء جريمتهم" كما يقول حمية.
وتعتبر المنطقة التي أفرغت فيها النفايات من "الأغنى بالكلأ ومياه الينابيع" بحسب حمية، فهي تعتبر "المرتع" الذي يلجأ إليه ما يقارب 60 من مربي الماشية خلال فصل الصيف من قرى غربي بعلبك وعرسال وبعلبك وعسال الورد السورية، وأكثر من 50 ألف رأس ماشية، لما في تلك الجرود من نباتات وأعشاب، وأكثر من خمسة ينابيع مياه، منها: "ماعولا"، "فياض"، "عين الفريضة"، "المورج" و"المجويّة"، بالإضافة إلى آبار معتمدة من القرى لتغذية وحداتها السكنية"، كما يشرح حمية.
خبر رمي النفايات في جرود السلسلة الغربية سرعان ما انتشر كالنار في الهشيم، وعبّر أهالي بلدات في غربي بعلبك عن استيائهم، ونيتهم قطع طريق حدث بعلبك ــ عيون السيمان، إلا أن بلديتي طاريا وشمسطار ــ غربي بعلبك سارعتا إلى احتواء الموضوع باتخاذ إجراءات سريعة، تمثلت في تنظيم دوريات متواصلة من الشرطة البلدية، بالتعاون والتنسيق مع القوى الأمنية، وعملتا بواسطة جرافة على إقفال المعابر المؤدية من الطريق الرئيسية إلى داخل الجرود. وأكد مهدي حمية رئيس بلدية طاريا لـ"الأخبار" رفضه التام لرمي نفايات مناطق أخرى في نطاق بلديات تسعى جاهدة للتخلص من مكب البلدة، وتنتظر بفارغ الصبر إقفاله وترحيل نفاياتها إلى معمل فرز وتسبيخ بعلبك". سهيل الحاج حسن، رئيس بلدية شمسطار ــ غربي بعلبك، أكد من جهته لـ"الأخبار" تقدمه بشكوى ضد من أقدم على رمي النفايات ومن يظهره التحقيق مسؤولاً عن أوامر نقلها ولصالح من يتم رميها في المنطقة"، موضحاً أن طريق حدث بعلبك ــ عيون السيمان يعتبر الشريان الحيوي للمنطقة، لأهميته السياحية حيث يشكل نقطة وصل بين قرى الجبل وبيروت وقرى البقاع، ومنها منطقة دير الأحمر وبشوات، وصولاً إلى رأس بعلبك والهرمل، "ولا يمكن القبول برمي النفايات عليه وتهديد الثروة المائية والبيئية فيه".
من جهته، مختار بلدة مصنع الزهرة حسين مشيك رأى أن مسألة رمي النفايات تحوي الكثير من الحساسية بين أهالي قرى غربي بعلبك، والقرى الجبلية المتاخمة لجرود المنطقة من الجهة الغربية، و"لا يمكن القبول برمي نفايات قرى لصالح بلدات أخرى ومكاسب شركات، ولأجل ذلك نناشد محافظ بعلبك ــ الهرمل بشير خضر إيلاء المشكلة الاهتمام الكافي، وخصوصاً أنها تطال "رزقنا ونقطة الماي اللي عم نفتش عليها بطلوع الروح".
وإذا كانت البلديات والسلطات المحلية قد لجأت إلى الخيارات الأكثر دبلوماسية وقانونية، فإن تلك الخيارات لم ترض حماسة عدد من الشبان الذين اتخذوا قرارهم "بتنفيذ ما هو أشبه بكمائن" لأصحاب الشاحنات التي تنقل النفايات.