«أوقف زوجي بمجرد وصولنا الى المطار. أخذونا وحققوا معنا لمدة 6 ساعات، بعدها سمحوا لي ولبناتي بالرحيل. عندما سألت عن زوجي، وهو يحمل الجنسية السويدية، أخبروني أنه اعتقل ورفضوا الإفصاح عن التهم الموجهة اليه»، هذا ما قالته لـ«الأخبار» فاطمة زمزم زوجة حسن خيزران (55 عاماً) الذي أعلن العدو الاسرائيلي اعتقاله الشهر الماضي في مطار بن غوريون، بتهمة التجسس لمصلحة حزب الله.
وقد بقيت زمزم في فلسطين أسبوعين محاولةً معرفة مصير زوجها. وتواصلت مع السفارة السويدية التي أبلغتها أنه يحق لسلطات الاحتلال «الإبقاء عليه قيد التحقيق ما دام موضع شك، لكن عندما توجه التهم اليه ويحاكم، حينها سنتدخل كسفارة». وبعد عودتها الى السويد الجمعة الماضي، علمت أمس، عبر وسائل الاعلام، بتوجيه الاتهام الى زوجها.
وذكرت صحيفة «هآرتس» أن خيزران اعترف خلال التحقيق معه «بالعمل لمصلحة حزب الله منذ عام 2009 وأنه جنّد خلال زيارة عائلته في لبنان، وكانت مهمته تحديد أهداف عسكرية ومدنية في إسرائيل، والسعي الى تجنيد فلسطينيين داخل أراضي 1948». وأضافت أن خيزران «سعى الى تجنيد فلسطينيين يحملون جوازات سفر أجنبية، ما يسهّل عليهم زيارة إسرائيل، إضافة الى تجنيد مواطنين إسرائيليين عرب لهم علاقة بالمؤسسة الأمنية أو الوكالات الحكومية الإسرائيلية».
وذكرت وسائل إعلام العدو أن حزب الله طلب من خيزران «جمع معلومات عن أماكن انتشار الجنود والقواعد العسكرية الاسرائيلية، إضافة الى فحص الاجراءات الامنية في مطار بن غوريون». وقد وجّهت وزارة العدل الاسرائيلية وجهاز الشاباك الى خيزران أمس تهمة «الاتصال مع عميل أجنبي ونقل المعلومات». وأفادت «هآرتس» بأن خيزران كان «متردداً في تجنيد أقاربه في إسرائيل، قائلاً إنه لا يريد وضعهم في خطر». وأضافت أنه أخبر مشغليه أنه يريد «الإقلاع عن العمل، ولكن بعد إعلانه نيته زيارة إسرائيل مرة أخرى في 2015 أعطاه حزب الله أهدافاً جديدة ومحددة لرصدها». أما صحيفة «معاريف» فأشارت في تقرير لها الى أن «حزب الله كان مهتماً بالحصول على توثيق بصري للأماكن العسكرية التي طلب من خيزران تصويرها».

زمزم: التهم غير صحيحة

من جهتها، نفت زمزم الاتهامات الموجهة الى زوجها قائلة «تركنا لبنان خلال الحرب الاهلية عام 1985، وجئنا الى السويد وأسّسنا عائلة، ولم نعد الى بيروت لأننا لا نريد التدخل في السياسة. لا علاقة لزوجي بأي حزب، وهو غير مهتم بالسياسة». وأوضحت أن «الزيارات التي قمنا بها في السنوات الماضية للبنان كانت عائلية بامتياز؛ ففي المرة الاولى كانت لزيارة شقيقتي والثانية لتزويج ابنتنا وفي الثالثة ذهب مع والدته (لبنانية من الجنوب) بهدف تسلّم أموال مخصصة لها». ورأت أن «هدف توقيف زوجي هو ترهيب الفلسطينيين من الذين يحملون جوازات سفر أجنبية، لمنعهم من زيارة بلدهم، خصوصاً مع ارتفاع نسبة زيارة هؤلاء لأرضهم، وفي كل مرة يوقف الاسرائيليون شخصاً بتهمة التجسس لمصلحة حزب الله».
وسخرت زمزم من تقارير إعلامية إسرائيلية ذكرت أن زوجها تلقّى 2300 دولار من حزب الله عام 2009، و800 دولار في 2011، وقالت: «يملك زوجي شركة سيارات أجرة في السويد ولسنا في حاجة إلى هذه الاموال».

حسن خيزران، فلسطيني والدته لبنانية، ويحمل
الجنسية السويدية



من جهتها، نفت محامية خيزران، ليا تسيمل، في حديث مع «هآرتس»، اتهام النيابة العامة الاسرائيلية لموكلها بالتجسس، قائلة إنه «نقل معلومات فقط، ولخيزران أقارب في كل من لبنان وإسرائيل، وقد رفض تجنيدهم لمصلحة حزب الله»، فيما أصدر جهاز الامن الداخلي «الشين بيت» بياناً أمس أعلن فيه أن «اهتمام حزب الله بمراقبة المرافق العسكرية الإسرائيلية دليل على أنهم يستعدون للحرب المقبلة مع إسرائيل، وتحديد مواقع لتكون بنك أهداف».
وكشف الاعلان عن اعتقال خيزران أن الهدوء الذي يخيّم على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة لا ينسحب على الجبهات الاخرى التي يخوض فيها الطرفان حروباً يحكمها نوع آخر من المعادلات لا تقل أهمية عن حرب الصواريخ والمدافع، وهي الحرب الاستخباراتية.

حرب التجسّس المفتوحة

معلوم أن «حزب الله» يواصل معاركه الامنية ضد العدو، ومنها ما يحمل طابعاً هجومياً وآخر دفاعياً. ويندرج ضمن هذا الاطار الجهد المركز على استئصال شبكات العملاء التي زرعتها إسرائيل في الساحة اللبنانية. وسجل حزب الله في هذا المجال أكثر من إنجاز نوعي كان لها تداعياتها الكبيرة على فهم الاسرائيلي لحزب الله، وقد تكون هذه الشبكات قد ساهمت في تجنيب العدو الوقوع في تقديرات خاطئة كان يمكن أن تستعجل وتستدرج حرباً تدميرية متبادلة بين إسرائيل ولبنان. الى ذلك، تكمن أهمية ما تم استئصاله من خلايا تابعة للعدو في الساحة اللبنانية، في أنها سلبت الجيش الاسرائيلي جزءاً أساسياً من عيونه وأذرعه التي كان يمكن الاستناد اليها في الكثير من مفاصل ومحطات المواجهة المفترضة. وقد لا نحتاج الى المعطيات والمعلومات للجزم بأن هذه المعركة مستمرة باستمرار الصراع. ورغم ما تنطوي عليه عمليات كشف العملاء في أي ساحة أو جسم تنظيمي من أبعاد معنوية وعملانية سلبية، يكمن الوجه الآخر لهذا الكشف في كونه يمثل إنجازاً نوعياً «لكلا الطرفين» في الكباش الامني والاستخباري، خاصة أن كشفهم وتفريغهم من المعلومات التي تمكنوا من إيصالها الى العدو، قد يسمح بتحويل ما كان تهديداً الى فرصة يمكن استثمارها من قبل الاجهزة المختصة في هذا المجال.
وبعيداً عن التدقيق في صحة كل ما نشرته إسرائيل من معلومات ومعطيات تتصل بنشاط حزب الله الاستخباري في الساحة الاسرائيلية، بما فيها الاعلان عن اعتقال خيزران، فإن أبرز معالم كشف العدو طوال السنوات الماضية عن شبكات تعمل للمقاومة في عمقه الاستراتيجي، ينطوي أيضاً على مؤشرات تطال طابع المعركة القائمة، والمدى الذي يمكن أن تبلغه المواجهة العسكرية الواسعة بينهما، في حال نشبت.
ومن أبرز المؤشرات أن صمت المدافع والصواريخ لا ينسحب على كل نشاطات حزب الله، بل ما زال العدو الاسرائيلي يحتل رأس سلم الاولويات لديه، وأن مواجهته للخطر التكفيري لم تكن على حساب الاستعداد ومواصلة رفع الجاهزية في مقابل جيش العدو.
وفي سياق التعامل مع الحادثة كواقعة، فإن العدو يكون قد سجل إنجازاً استخبارياً في مواجهة نشاط المقاومة. لكن تأخره النسبي في الكشف قد يكون ساهم في إيصال المعلومات المطلوبة لحزب الله، خصوصاً أن الحديث يدور عن أهداف منتشرة على مستوى دولة. وفي هذه الحال، عادة ما تتّسم الاهداف التي يهتم بها حزب الله بطابع الثبات، أي إنها أهداف لا يمكن تحريكها أو تبديلها.
وبحسب ما تم استخلاصه من الكثير ممّا أعلنه العدو عن شبكات المقاومة، يلاحظ أن حزب الله كان يركز جهوده على العمق الاستراتيجي للعدو وعلى جبهته الداخلية التي ستكون جزءاً أساسياً من جبهات القتال، وهو ما أقرّ به نتنياهو خلال مناورة «نقطة تحول» الاخيرة عندما قال: «اكتشفنا أن الجبهة الداخلية باتت جزءاً أساسياً من جبهات القتال». ويدرك العدو في هذا السياق أن نشاطات حزب الله الاستخبارية في عمقه الاستراتيجي تعني أن هذا العمق سيكون جزءاً أساسياً من أهداف صواريخ حزب الله الدقيقة الاصابة والبعيدة المدى وذات القدرة التدميرية.