دمشق | لم تكد تمضي فترة قصيرة على بدء الأحداث، حتى كانت السكك الحديدية والقطارات تتصدر لائحة الأهداف المراد استهدافها «انتقاماً من النظام» كما حاول البعض تبريرها بداية الأمر، وتبين لاحقاً أنها جزء من استراتيجية معدة لتدمير مراكز القوة في الاقتصاد السوري.
المحاولة الأولى جرت كما تقول الحكومة بعد شهر واحد من آذار عام 2011 وفشلت، لكن المحاولة الثانية استطاعت حرف ثماني عربات عن مسارها وقتل سائق القطار المتجه من حمص إلى دمشق وإصابة عشرات المسافرين، لتتوالى بعد ذلك الاعتداءات على الخطوط الحديدية ومنشآتها بهدف التخريب والتدمير أو السرقة والنهب، ولتكون النتيجة اليوم شلل تام يضرب الخطوط الحديدية وحركة النقل بالقطارات. وبحسب معاون وزير النقل عمار كمال الدين فإنه «من بين 13 محوراً تمتد عليها شبكة الخطوط الحديدية والبالغ طولها نحو 1712 كم، فإن ثلاثة محاور فقط هي الجاهزة فنياً وأمنياً، وطول خطوطها نحو 259 كم»، أي ما نسبته 15% فقط من إجمالي طول شبكة الخطوط الحديدية. مع الإشارة إلى أن بعض المحاور جاهزة فنياً إلا أن طبيعة الأوضاع الأمنية تحول دون استثمارها أو حتى قيام الفنيين بالكشف عليها.
تتنوع عمليات التخريب التي تعرضت لها شبكة الخطوط الحديدية خلال عمر الحرب، وهي وفق ما يؤكده عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال، عمر حورية، شملت تفجير قطارات ركاب وبضائع، وتفجير جسور، وسرقة محطات مع تجهيزاتها، وسرقة قضبان حديد، وتعدٍّ على العاملين وغيرها، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار» أنه «على الرغم من قيام الحكومة بأعمال الإصلاح المتكررة للجسور التي جرى تخريبها وعلى المحاور كافة، إلا أن المجموعات الإرهابية كانت تقوم بأعمال تفجير في مواقع أخرى، وهذا الأمر أدى إلى توقف حركة القطارات على محاور الشبكة كافة باستثناء محور طرطوس اللاذقية، وتالياً توقف نقل الركاب والبضائع من فوسفات وفيول وحبوب وغيرها».

المليارات الضائعة

لفترة من الزمن مثّلت القطارات خياراً اقتصادياً مقبولاً للشرائح الفقيرة وذات الدخل المحدود في تنقلاتها بين بعض المحافظات، ولا سيما المرضى الذين كانوا يقصدون مستشفيات العاصمة والمدن الكبرى وطلبة الجامعات وغيرهم، كما أن استراتيجية الدولة السورية طويلة الأمد استندت الى الربط السككي لمراكز الإنتاج الزراعي والصناعي والنفطي بالمعامل والمصافي ومحطات الكهرباء ومنافذ التصدير، إنما الحرب استطاعت خلال فترة زمنية قصيرة نسف ما جرى إنجازه في عقود، فمثلاً تكشف بيانات وزارة النقل أن عدد الركاب الذين تولت القطارات السورية نقلهم عام 2010 بلغ نحو 3.5 ملايين راكب، وفي نهاية عام 2013 لم يكن العدد يتجاوز 154 ألف راكب، أي ان نسبة التراجع تجاوزت 95%. وهذا كان حال نقل البضائع أيضاً، إذ تؤكد البيانات الرسمية المنشورة أن حجم البضائع المنقولة عبر شبكة الخطوط الحديدية وصلت عام 2010 إلى نحو 8.5 ملايين طن، ولينخفض عام 2013 إلى ما دون 240 ألف طن، لتكون بذلك نسبة التراجع نحو 97%.

من بين 13 محوراً
تمتد عليها شبكة الخطوط الحديدية فإن 3 محاور هي الجاهزة


تروي وزارة الكهرباء كإحدى الجهات المتضررة، بعضاً من معاناتها في ظل توقف شبكة الخطوط الحديدية عن نقل مادة الفيول لمحطات توليد الكهرباء، فتشير إلى أن تشغيل محطات التوليد بالكامل يحتاج يومياً إلى نحو 35 ألف طن مكافئ نفطي (غاز وفيول) أي ما يعادل حمولة 1200 صهريج من الحجم الكبير، وعندما يجري تفجير خطوط الغاز فإن جل ما يصل إلى محطات التوليد لا يتجاوز حمولة 250 صهريجا، هذا إذا سلمت هذه الصهاريج هي الأخرى من الاستهداف والسرقة.
من جهتها، تحصي وزارة النقل وبالأرقام خسائر شبكة الخطوط الحديدية ومنشآتها ومرافقها منذ بداية الأزمة حتى شهر تموز من العام الماضي، فيؤكد معاون وزير النقل لـ«الأخبار» أن القيمة الإجمالية للأضرار التي لحقت بالمؤسسة العامة للخطوط الحديدية قدرت بنحو 52.8 مليار ليرة، فيما كانت قيمة الأضرار غير المباشرة كفوات الإنتاج والمنفعة وقيمة الإصلاحات المنفذة نحو 12.2 مليار ليرة». ويضيف أن «الأضرار التي لحقت بالشركة العامة لإنشاء الخطوط الحديدية مع مبالغ فوات المنفعة تقدر قيمتها بنحو 785.5 مليون ليرة».
استمرار الحرب وتوسع دائرة الاعتداء على شبكة الخطوط الحديدية وتالياً ارتفاع فاتورة الخسائر بشكل يكاد يكون يومياً، لم تحل دون تبني الحكومة السورية لاستراتيجية وطنية قدمتها مؤسسة الخطوط الحديدية، تسعى من خلالها إلى إعادة إصلاح وتحديث شبكة الخطوط الحديدية ومنشآتها مع انتهاء الأزمة، وذلك وفق أربع مراحل تبدأ بمرحلة أولى تتضمن تنفيذ 18 مشروعاً نوعياً أهمها تقييم الحالة الفنية وإعداد الدراسة اللازمة لإعادة تأهيل وتطوير خط حديد الشرقية (مناجم الفوسفات) مهين - حمص - طرطوس بطول 280 كم، ودراسة وتنفيذ خط حديدي ثان مجاور للخط الحالي من محطة البصيرة حتى مهين – حمص – طرطوس بطول 235 كم، ودراسة وتنفيذ خط حديدي جديد من محطة البصيرة على محور مهين – الشرقية باتجاه منطقة التنف على الحدود السورية العراقية بطول 156 كم، ودراسة وتنفيذ خط حديدي جديد من محطة كفرعايا (حمص2) - القصير – مقالع حسياء بطول 40 كم تقريباً.
أما المرحلة الثانية، فتشمل تقييم الحالة الفنية وإعداد الدراسة اللازمة لإعادة تأهيل وتطوير المحاور الرئيسية المعتمدة لنقل المشتقات النفطية والحاويات وبضائع أخرى، وكذلك متابعة تنفيذ مركز إصلاح العربات والتفريعات اللازمة، وتتضمن هذه المرحلة تنفيذ نحو 15 مشروعاً. وتسعى مشاريع المرحلة الثالثة إلى زيادة انسيابية نقل البضائع من والى المرافئ السورية إلى الداخل السوري ودول الجوار، وفي المرحلة الرابعة سيجري تقييم الحالة الفنية وإعداد الدراسة اللازمة لإعادة تأهيل وتطوير خطوط شمال جنوب وشرق غرب بغية استيعاب حجوم النقل المتوقعة.
ويبقى تنفيذ تلك الاستراتيجية رهناً بتحسن الأوضاع الأمنية وعودة الدولة إلى بسط سيطرتها على جميع أراضي البلاد، وما لا يقل أهمية عن ذلك يتعلق بتوافر التمويل اللازم، وخاصة أن المشاريع التي تتضمنها الاستراتيجية تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة وقطع أجنبي لن يكون من السهل توفيره ورصده للخطوط الحديدية خلال فترة معينة. ويبدو أن هذا ما دفع بمؤسسة الخطوط الحديدية إلى اقتراح العمل بخطة اسعافية تصل قيمة اعتماداتها إلى نحو 1.197 مليار ليرة تنفق على ما سمته «إعادة الإعمار بالحد الأدنى»، الذي تمكن على أساسه إعادة استثمار الشبكة.