في 31 آب 2006، أغمض علي صالح، ابن بلدة عدشيت ــــ القصير، والمعروف باسمه العسكري «بلال»، عينيه لآخر مرة، بعد أيام على إصابته في معركة وادي الحجير، من صاروخ أطلق من طائرة استطلاع اسرائيلية. «استشهد بلال، مرتاح البال، فور علمه بأن المقاومة حققت النصر كاملاً في تموز 2006». استشهد قاهر دبابات الميركافا الاسرائيلية، بعد أن دمر 15 منها في آخر يوم من عمله الجهادي، وهو المعروف بأنه أول وأفضل من استخدم صواريخ «كورنيت» في وجه العدو الاسرائيلي.
بعد تسع سنوات على استشهاده، وفي ذكرى الانتصار في تموز، يوم الجمعة المقبل، سيطل السيد حسن نصرالله قريباً من المكان الذي أطلق منه بلال صواريخه على الميركافا. سيتحدث عن بلال ورفاقه وعن أهمية هذا «الوادي المقدّس» في قهر الغزاة والمستعمرين، بعد عرض فيلم توثيقي عن دور الوادي في عمل المقاومة منذ انطلاقتها ضد الاحتلال الفرنسي، إضافة إلى مفاجأة جديدة، هي عبارة عن «مشهدية حية لم يعرض مثلها سابقاً تجسّد إرادة المقاومة واقعياً وميدانياً»، بحسب ما يؤكد مسؤول إعلام الجنوب في حزب الله الشيخ حيدر دقماق.
جُهّز الوادي بما يلزم للحدث ولاستيعاب آلاف المواطنين، ونُصبت شاشة عملاقة وضعت قربها دبابتان من مخلفات الاحتلال، وبقايا دبابة ميركافا تركها العدو بعد فرار جنوده واعترافه بأنه خسر في الوادي 33 جندياً بينهم ضباط وقادة سرايا وفرق ومدرعات وبوقوع مئات الجرحى والمصابين، وبتدمير ما يقارب خمسين دبابة ميركافا، فضلاً عن الجرافات العسكرية.

الاحتفال سيتضمن مشهدية حية تجسّد إرادة المقاومة



وبعد أن تأكد خبراء المتفجرات في المقاومة من خلو المكان من القنابل العنقودية التي خلّفها العدو أثناء حرب تموز، عمل المنظمون على توفير مواقف سيارات بعيدة عن مكان الاحتفال مع توفير وسائل نقل للمشاركين. واختير المكان بعناية، لناحية مساحته الكبيرة القريبة من الأحراج الخضراء، ومن وادي السلوقي المعروف بأهميته العسكرية قبل التحرير، والذي استشهد فيه 45 شهيداً، منهم ثلاثة في مكان الاحتفال، بعد أن تصدوا لـ»كوماندوس» إسرائيلي عام 1986 وأوقعوا جميع عناصره بين قتيل وجريح، بحسب أحد المشاركين في العملية.
ويقول دقماق إن اختيار هذا المكان كان لاعتبارات ثلاثة: «أولها تاريخي يتعلق بأهمية الوادي التاريخية في مقاومة الاحتلال، انطلاقاً من مؤتمر الحجير عام 1920 الذي اجتمعت فيه وجوه جنوبية مقاومة قررت بجرأة التصدي للاحتلال، والثاني أن هذا الوادي كان معبراً ومنطلقاً للمقاومة اللبنانية والفلسطينية وبعدها الإسلامية لشن عملياتها على جيش العدو وعملائه في أكثر من 15 موقع في الشريط الحدودي السابق، والثالثة أنه في هذا الوادي تحطمت أسطورة دبابة الميركافا التي بدأ العدو باستخدام نموذجها الأول عام 1979 وغزا فيها لبنان عام 1982، بعدها جاءت ميركافا ــــ 2 في عام 1983، التي صممها العدو لتناسب الطبيعة اللبنانية ثم ميركافا ــــ 3 لاقتحام المدن الفلسطينية المكتظة، وبعدها الميركافاــــ 4 الأكثر تطوراً والتي دمر أكثر من 50 منها في وادي الحجير، لتنتهي معها حرب تموز بانتصار المقاومة وهزيمة العدو».
يذكر أن وادي الحجير تحوّل بعد التحرير عام 2000 الى موقع عسكري استراتيجي للمقاومة، وكان أثناء حرب تموز المكان العسكري الرئيسي الذي استخدم لإطلاق صواريخ الكاتيوشا على مواقع العدو ومستعمراته. وبعد الحرب فتحت طريق الوادي أمام الناس، ليُكشف الغطاء عن أجمل الأماكن الطبيعية الخضراء في جنوب لبنان، الذي كان بعيداً، بسبب الاحتلال، عن أعين الجنوبيين المقيمين طوال أكثر من ثلاثين سنة. فهو المكان الوحيد، اليوم، المغطى بأشجار السنديان والبطم والصنوبر والخروب، في منطقة تكاد تخلو من الأحراج الطبيعية، كذلك كشف الغطاء عن مطاحن الحجير الثماني التي تحكي قصة أجيال من المزارعين الجنوبيين، الذين قرروا حمل السلاح ضد الاستعمار والاحتلال..