القاهرة | تكفي قراءة نصّ المادتين 35 و36 من قانون مكافحة الإرهاب الذي وافق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول من أمس، لتعرف كيف ينظر النظام في مصر إلى الإعلام والصحافة. في الحقيقة، هو لا يعتبر الصحافة سلطة من الأساس، ويرى أنّ الحبس هو مصير الإعلاميين الذين يغرّدون خارج المنظومة التي وضعها. تنصّ المادة 35 على أنّه «يعاقب بغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه (30 ألف دولار) ولا تتجاوز 500 ألف جنيه (75 ألف دولار) كل من تعمّد في أي وسيلة كانت، نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد أو عن العمليات المرتبطة بمكافحتها بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، وذلك كله من دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة.

وفي الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة شخص اعتباري، يعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية لهذا الشخص بذات العقوبة المقررة في الفقرة الأولى من هذه المادة، ما دامت الجريمة قد ارتكبت لحسابه أو لمصلحته، ويكون الشخص الاعتباري مسؤولاً بالتضامن عما يحكم به من غرامات وتعويضات. وفي جميع الأحوال، للمحكمة أن تقضي بمنع المحكوم عليه من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على سنة إذا وقعت الجريمة إخلالاً بأصول مهنته».
عبر تلك المادة، تحوّل القاضي إلى محلّل للمادة الإخبارية، وأيضاً نقابي يحدد ما إذا كان «جرم» الصحافي يمثل إخلالاً بأصول المهنة أو لا، بل أصبح من حق القاضي أن يحرم الصحافي من العمل في المهنة.
بداية المادة تنصّ على الغرامة التي سيلتزم بها الصحافي والمؤسسة العامل فيها. غرامة تعبّر عن أنّ المشرّع إما أنه يعيش على كوكب آخر حيث يحصل الصحافي على راتب يمكّنه من دفع تلك الغرامة، أو أنه يعرف الأوضاع المالية «المخزية» للصحافيين، لكنه أراد من خلالها ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول أن يستجيب لمطلب نقابة الصحافيين بإلغاء حبس الصحافيين، كما كان النص في المسودة قبل النهائية للمشروع، و«العصفور» الثاني أن يعجّز الصحافي عن دفع الغرامة، وبالتالي يكون الحبس هو مصير الصحافي في النهاية، لأن القانون المصري ينص على أنه في حالات الحكم بالغرامة يكون الخيار بين إما الدفع وإما الحبس.
رئيس لجنة التشريعات في مجلس نقابة الصحافيين المصريين كارم محمود، قال إنّ الدولة وافقت شكلياً على مطالب النقابة والجماعة الصحافية، بإلغاء الحبس في القانون، إلا أنه على أرض الواقع وعند تطبيق القانون فالحبس سيكون مصير أي صحافي يخالف مواد القانون. وتابع: «الغرامة باهظة جداً تفوق قدرة الصحافيين أو الإعلاميين، بل تفوق قدرة المؤسسات الإعلامية».
وأشار كارم في حديث إلى «الأخبار» إلى أنّ «عدم دفع الغرامة جزاؤه الحبس، وبذلك تكون الدولة قد وافقت شكلياً على وقف حبس الصحافيين لكنها فعلياً وضعت باباً آخر سيؤدي إلى الحبس في النهاية». وشدد على أن النقابة تدرس حالياً خطوات الرد على المواد الواردة في القانون.

بات يحقّ للقاضي
حرمان الصحافي من العمل
في المهنة

أما المادة 36، فتنصّ على أنه «يحظر تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أي وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بإذن من رئيس المحكمة المختصة، ويعاقب بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه كل من خالف هذا الحظر». المادة واضحة، وقلبت الآية التي تقول بأنّ «التصوير في قاعات المحاكم مسموح إلا إذا رأى القاضي عكس ذلك»، فأصبحت أن «التصوير في قاعات المحاكم ممنوع إلا إذا رأى القاضي عكس ذلك».
في صباح اليوم الذي صدر فيه هذا القانون، قُبض على أحمد رمضان، المصور الصحافي في جريدة «التحرير» أثناء تصويره إحدى جلسات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، وأودع في مقر الأمن الوطني طوال اليوم، قبل أن يحال أمس إلى النيابة العامة.
ومن التهم التي وجهت إليه التصوير بدون تصريح، ودخول مقر المحاكمة من دون إذن. وبعد وشاية إحدى زميلاته في جريدة منافسة، أضيفت تهمة جديدة له هي الانتماء إلى جماعة محظورة (الإخوان المسلمين).