سُوّي ــ أو يكاد ــ على مضض الخلاف على مديرية المخابرات في الجيش، بالتزامن مع تأجيل تسريح الضباط الثلاثة الكبار في 5 آب، في سلة واحدة. إلا أن الاعلان عن استمرار العميد إدمون فاضل على رأس المديرية سينتظر بعض الوقت، وربما الى أواخر هذا الشهر.تبعاً لما رافق الساعات الاخيرة التي سبقت توقيع وزير الدفاع سمير مقبل ثلاثة قرارات قضت بتأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير، كان الابقاء على فاضل في السلة نفسها، فاستبعد دفعة واحدة مرشحان آخران كان ثمة مَن يتشبّث بكل منهما: قهوجي يريد مدير مكتبه العميد كميل ضاهر، ووزير الدفاع باسم الرئيس ميشال سليمان يريد قائد الحرس الجمهوري العميد وديع غفري. كِلا مقبل وقهوجي معني بالتعيين: الاول يوقّع قرار تعيين اسم يقترحه الثاني.

رغم تعاونهما معاً طوال ثماني سنوات، شاء قهوجي التخلي هذه المرة عن فاضل مع أنهما يتساويان في تأجيل التسريح في السنتين الاخيرتين، وفي مقاربة «الخارج» دوريهما. بدوره مقبل يريد أن يوحي بأنه يفتتح سابقة تعيينه هو مديراً للمخابرات ما دام سيوقع القرار، الأمر الذي لم يشأه أي من أسلافه على مرّ عقود المؤسسة العسكرية. بل يوحي الوزير باقتراحه غفري أن سليمان لمّا يزل في اليرزة وبعبدا في آن واحد.
إلا أن استمرار فاضل على رأس الاستخبارات العسكرية قفز من فوق رأسي وزير الدفاع وقائد الجيش معاً. على غرار تسلّحهما بحجة أن «الخارج» هو الذي ضغط بقوة لتأجيل تسريح الضباط الكبار الثلاثة، دخل «الخارج» بجدية أكبر على اللعبة ودفع في وجهة الابقاء، بقوة مماثلة، على المدير الحالي للمخابرات في منصبه، نظراً الى أهمية الدور الذي اضطلع به في التعاون مع استخبارات دول كبرى في ملفات الارهاب والتطرف. لم يتردد السفير الاميركي دافيد هيل في مفاتحة رئيس الحكومة تمام سلام بفاضل ثلاث مرات تمسكاً به.

ذريعة «الخارج»
لإمرار تأجيل التسريح، تعيد مدير المخابرات من الاحتياط


ولأنه يبلغ في 21 ايلول السقف الاعلى للبقاء في الخدمة، وهو 40 عاماً، لا يصح قانوناً بعد ذاك الاستمرار فيها، ولا تأجيل تسريحه على نحو بضع مرات خبرها فاضل منذ عام 2013 ستة أشهر تلو أخرى، فأمضى سنتين إضافيتين، فإن المخرج الملائم للاحتفاظ به يقضي انتظار إحالته على التقاعد في ايلول، كي يصير للفور الى إصدار قرار باستدعائه من الاحتياط واستئنافه عمله. وقد لا ينتظر ذلك ايلول ربما، فيصدر قرار بإحالته على التقاعد مرفقاً بقرار آخر يستدعيه من الاحتياط عملاً بالفقرة (أ) من المادة 3 من المرسوم 3354 الصادر في 10 نيسان 1992، المبني على المادة 132 من قانون الدفاع التي تنص على: «تحدد بمرسوم بناءً على اقتراح وزير الدفاع الوطني، المبني على إنهاء قائد الجيش، أصول وشروط استدعاء وإعفاء الاحتياطيين والموجبات المفروضة عليهم خلال مدة وجودهم في الاحتياط».
عملاً بذلك، لوزير الدفاع إصدار قرار باستدعاء ضابط من الاحتياط لمدة ستة أشهر فقط، تفادياً لحاجته الى مرسوم لمدة تتجاوز الاشهر الستة هذه، الامر الذي يمسي متعذراً في مجلس الوزراء في ظل رفض تكتل التغيير والاصلاح تأجيل التسريح والاستدعاء من الاحتياط، وكل ما يمت بصلة الى إبقاء الضباط الموشكين على التقاعد في مناصبهم.
على نحو كهذا، يُمدد استمرار فاضل على رأس الاستخبارات العسكرية ستة اشهر اعتباراً من 21 ايلول المقبل، دونما إيصاد الابواب أمام تجديد الاشهر الستة في ما بعد بقرار مماثل من الوزير، ما دام لا مانع يحول دون استدعائه من الاحتياط، الأمر الذي يحظره قانون الدفاع تحديداً على قائد الجيش ورئيس الاركان وثلاثة من أعضاء المجلس العسكري هم الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع والمدير العام للادارة والمفتش العام، بحيث يمنع استدعاء ضبّاط من التقاعد كي يحلوا في هذه المناصب. وهو ما ستكون عليه حال قهوجي في 30 ايلول 2016، إذ يُتم في ذلك الوقت سقف خدمته في الجيش وهو 44 عاماً.
ومع أنهما لا يتوازيان في أهمية الدور والموقع والوظيفة السياسية وفي الغالب الطموح إلى الرئاسة، إلا أن الشغور الرئاسي يضع مصيري قائد الجيش ومدير المخابرات في منزلة واحدة في الظاهر: لا قائد جديداً للجيش، ولا مدير جديداً للمخابرات حتماً، قبل انتخاب الرئيس. ذهاب الأول يفضي حتماً الى ذهاب الثاني عند إتمام الاستحقاق، وكذلك طريق الإياب، رغم أن سوابق شتى في تاريخ المؤسسة العسكرية أظهرت مدير المخابرات أطول عمراً من قائد الجيش: عمل أنطون سعد في ظل قائدين هما فؤاد شهاب وعادل شهاب، وغابي لحود في ظل قائدين هما إميل بستاني وجان نجيم، وجول البستاني في ظل قائدين هما اسكندر غانم وحنا سعيد، وسيمون قسيس في ظل قائدين هما ابراهيم طنوس وميشال عون.
يقتضي أن لا ينسى، كذلك، استثناءان فقط لا يشكلان كالحالات تلك سابقة وقياساً: أولهما تعيين مديرين للمخابرات هما خليل جلبوط (لسبعة أشهر فقط) وميشال رحباني في ظل قائد واحد هو إميل لحود، وثانيهما تعاقب مديرين آخرين هما ريمون عازار وجورج خوري في ظل قائد واحد هو ميشال سليمان لم يكن ــ كأي من أسلافه القريبين والبعيدين ــ مَن سمّى أياً منهما.