أظهرت أرقام المالية العامة الصادرة عن وزارة المال أنه في نهاية حزيران 2015، سُجل ارتفاع في النفقات بنسبة 3.5% لتبلغ 8948 مليار ليرة. سبب الارتفاع كما هو مبيّن في الإحصاءات، ناجم عن ارتفاع النفقات العامة بما قيمته 147 مليار ليرة، والنفقات على حساب موازنات سابقة بما قيمته 101 مليار ليرة، وفوائد الديون الداخلية بما قيمته 189.6 مليار ليرة، وذلك برغم انخفاض التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان بنسبة 39.55% أو ما يوازي 618.9 مليار ليرة.
وتبيّن أنه في نهاية حزيران 2015 تراجعت الإيرادات بنسبة 2.34% لتبلغ 7214 مليار ليرة. ومصدر التراجع الأساسي يكمن في تراجع تحويلات الاتصالات بنسبة 11.9%، وتراجع حاصلات ضريبة القيمة المضافة بنسبة 4.9%، وتراجع رسوم النسجيل العقارية بنسبة 16.9%، والضرائب على السلع والخدمات بنسبة 7.1%.
في الواقع، إن الفصل الأول من السنة الجارية كان قد سجّل أيضاً مؤشرات سلبية خطيرة، إذ سجّلت الإيرادات تراجعاً بنسبة 11.5%، ولم تتراجع النفقات إلا بنسبة 2.9%، لكن العجز زاد العجز بنسبة 26.4%. وقد استمرّ هذا المنحى السلبي في مؤشرات المالية العامة الأساسية لتصبح زيادة العجز في نهاية حزيران 2015 بنسبة 13.1% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، وبالتالي سجّل العجز ما قيمته 2690 مليار ليرة في نهاية حزيران 2015.
وبالتزامن مع صدور هذه المؤشرات، تبيّن أن ميزان المدفوعات (هو حصيلة كل العمليات التي تؤدي بنتيجتها إلى دخول الأموال إلى لبنان أو الخروج منه، مثل تحويلات المغتربين، الاستيراد والتصدير...) سجّل في نهاية حزيران عجزاً بقيمة 1319 مليون دولار، مقارنة بعجز قيمته 216.1 مليون دولار في حزيران 2014. وهذا العجز في الميزان يسجّل للسنة الخامسة على التوالي، لكنه أكثر حدّة هذه السنة، علماً بأن حالة العجز المسجلة في ميزان المدفوعات تعني أن قدرة لبنان على توفير الدولارات لتمويل ديونه أو إعادة تمويل ديونه بالعملة الأجنبية تزداد صعوبة.

ميزان المدفوعات سجّل
في نهاية حزيران عجزاً بقيمة 1319 مليون دولار



وإذا اعتمدنا على أرقام وزارة المال عن الناتج المحلي الإجمالي البالغ 50 مليار دولار في نهاية 2014، إضافة إلى نموّ لا يتجاوز 0.5% في الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية، وفق تقديرات الخبراء، فإن نسبة الدين العام (الحكومي) البالغ 69 مليار دولار إلى الناتج ارتفعت إلى 137.9%. بعض الخبراء المصرفيين يعتمدون أرقام المؤسسة الدولية للتمويل التي «لا تنفخ الناتج المحلي اللبناني»، وهي تقول إن حجم الناتج في لبنان لم يتجاوز 47.5 مليار دولار في نهاية 2014، وبالتالي فإن نسبة الدين إلى الناتج تجاوزت 144%.
بعض المؤشرات المصرفية تشير إلى أن نموّ التسليفات للقطاع الخاص كان ضعيفاً جداً ولم يتجاوز نصف التسليفات الممنوحة في الفترة نفسها من عام 2014. ففي ذلك الوقت بلغت قيمة التسليفات 1.8 مليار دولار، أما في حزيران 2015، فهي تبلغ 848 مليون دولار، وهذا مؤشر واضح على تدهور الأوضاع الاقتصادية بصورة عامة.
وفي الواقع، لا يمكن اعتبار نمو الودائع مؤشراً إيجابياً أيضاً برغم أن الودائع زادت بما قيمته 4.2 مليارات دولار، وهي زيادة مشابهة للزيادة المسجّلة في النصف الأول من السنة الماضية، لكن يجب الأخذ بالاعتبار أن الودائع تنمو بفعل الفوائد، وأنه كلما زادت الودائع زاد النمو من الفوائد، وبالتالي فإنه في نهاية حزيران 2015 يظهر بوضوح أن الأموال الطازجة الواردة إلى القطاع المصرفي هي أقل من تلك التي وردت في السنة الماضية، وهو أمر مقلق جداً، لأن ارتباط نسبة نموّ الودائع بتمويل الدين العام هو عامل جوهري بالنسبة إلى تمويل العجز في الموازنة، علماً بأن صندوق النقد الدولي حذّر من مخاطر هذا الربط.
وإلى جانب هذه المؤشرات، صدر أمس تقرير «مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة» عن الفصل الثاني من السنة الجارية بعنوان «كثرة حسومات وقلـّـة مبيعات» وهو يشير إلى «نبض ضعيف في الأسواق برغم المزيد من الإنخفاض في مؤشـّـر غلاء المعيشة ورغم الحسومات السخية في معظم القطاعات. فقد تراجعت وكثرت العروض في معظم قطاعات تجارة التجزئة – على أنواعها، خلال الفصل الثاني لسنة 2015، إنما الحركة الإستهلاكية لم تتجاوب مع هذه المبادرات، بل ظلّت تراوح عند المستويات الضعيفة التي أصبحت من سمات السوق».
ويشير المؤشّر إلى أن أسواق تجارة التجزئة لا تزال تنتظر «مفاعيل تراجع الأسعار مع الأمل بأن تؤدّي بنية الأسعار الإنخفاضية الى تحريك وإنتعاش الدورة التجارية، لكن يبدو أن العوامل الخارجية غير الإقتصادية، المحلية منها والإقليمية، التي تكبح إعادة الحركة الى الأسواق، ما زالت هي الأقوى والأكثر تأثيرأً في أداء معظم القطاعات».
ويعتقد التقرير أنه في ظل «استمرار وطأة النازحين من سوريا على كاهل الإقتصاد اللبناني، لجهة الإستعمال المرهق للبنية التحتية في البلاد وللموارد والطاقات، والاقتحام غير المسبوق لأسواق العمل في كافة المجالات بأجور أدنى بكثير من أجور اللبنانيين.. تفاقمت البطالة بين القوى العاملة اللبنانية، ولحقها انخفاض في القوّة الشرائية لدى الأسر اللبنانية التي طاولتها تلك البطالة، والتى تمثل العمود الفقري للاستهلاك، وخاصة في ضوء هشاشة الاستهلاك المباشر من جانب النازحين ولا سيما في قطاعات السلع غير الحيوية».