فيما ينشغل وزير الاتصالات بطرس حرب ورئيس الهيئة المنظمة للاتصالات بالإنابة عماد حبّ الله، بسجال عقيم حول قرار حرب بكفّ يد حبّ الله ورفض الأخير تنفيذ هذا القرار السياسي الطابع، يبدو واضحاً أن موظفي الهيئة سيدفعون الثمن، إذ لا أموال لدى الهيئة لدفع الرواتب في نهاية آب، علماً بأنهم تقاضوا نصف راتب في نهاية شهر تموز.
«إلى حين صدور قرار عن مقام مجلس الوزراء بهذا الشأن، فإننا أعدنا إلى معالي الوزير أصل كتابه لتعذّر تنفيذه بسبب مخالفته الفاضحة للقانون ولصدوره عن مرجع غير صالح للتقرير في موضوعه، ما يرفعه إلى مصاف القرارات العديمة الوجود». بهذه العبارة، ردّ أمس رئيس الهيئة المنظمة للاتصالات بالإنابة عماد حبّ الله، على قرار وزير الاتصالات بطرس حرب الصادر منذ يومين ويقضي بكفّ يد حب الله عن إدارة الهيئة.

من أين ستُدفع رواتب الموظفين في نهاية شهر آب؟

حبّ الله أصدر بياناً يشير إلى أن «صلاحية وزير الاتصالات تجاه الهيئة المنظمة للاتصالات محدّدة بصورة حصريّة في الأمور المقررة في القانون رقم 431/2002 وليس من بين هذه التدابير صلاحية كف اليد»، موضحاً أن «الحجج المدلى بها في قرار الوزير لناحية التصرف باعتمادات خلافاً للأصول، هي ادعاءات غير صحيحة وغير مسندة إلى أي دليل. ويمكن للجميع بمن فيهم معالي الوزير العودة إلى القانون 431 للتفحص بطريقة التعامل مع المخالفات، إن وجدت، وكفّ اليد».
الهيئة المنظمة للاتصالات، في رأي حبّ الله، هي «هيئة مستقلة إدارياً ومالياً أنشئت بموجب القانون 431/2002، وبالتالي فإن أي قرار لكي يكون قابلاً للتطبيق يجب أن يكون متوافقاً مع القانون بمفهومه العام، ومع المبادئ الراعية لعلاقة سلطة الوصاية بالهيئات المستقلة... إن رئيس الهيئة المنظمة للاتصالات بالإنابة معيّن بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، ويستمر بمهماته تطبيقاً لمبدأ استمرارية المؤسسات الإدارية، واستناداً إلى آراء استشارية».
ولفت إلى أن قرار حرب وتوقيته يندرجان ضمن المحاولات الهادفة إلى إضعاف الهيئة وإسقاط استقلاليتها والسيطرة على قرارها، مذكّراً بأن الهيئة هي المؤسسة الوحيدة التي يتجاهلها المسؤولون ويتجاهلون توقفها، مجبرة، عن دفع الرواتب والأجور وتأدية حقوق الدائنين. «البعض أخذ الكادر البشري في الهيئة رهائن لغاياتهم».
وأشار إلى أنه «في حال كانت هناك مآخذ على أداء رئيس الهيئة بالإنابة، فإن المرجع الصالح للطلب منه التوقف عن ممارسة مهماته، هو الهيئة الصالحة للتعيين، أي مجلس الوزراء»، محمّلاً «المسؤولية لكل من ساهم بعدم تأمين التمويل اللازم للهيئة» واستنكر محاولة السيطرة على قرار الهيئة لضربها، «ومنع الرواتب والأجور، وعدم تأمين المصاريف التشغيلية بهدف السيطرة على قرار الهيئة،» مناشداً من يتخذ من العاملين رهينة لأي من أغراضهم، ان يتوقف عن ذلك «نناشد الحكومة مجتمعة والوزراء، تمويل الهيئة بأسرع وقت ممكن وإبعاد الهيئة ومن يعمل فيها عن التجاذبات وعن أي موقفٍ لا يخدم الهيئة ومن فيها».
الأزمة بين حرب وحبّ الله عمرها أكثر من سنة، لكنها لم تنفجر إلى العلن إلا قبل يومين. ما حصل هو أنه منذ تسلّم حرب وزارة الاتصالات، بدأ النقاش في آليات تمويل الهيئة وضرورة سداد سلفات الخزينة التي حصلت عليها خلال السنوات الماضية. اشتم حبّ الله رغبة في السيطرة على الهيئة من خلال السيطرة على تمويلها، وخصوصاً أن حرب اشترط سداد السلفات القديمة (يمكن سداد السلفات من خلال فواتير أو من خلال السداد النقدي) للاستحصال على سلفات جديدة. حبّ الله لجأ إلى ديوان المحاسبة للحصول على رأي استشاري حول سداد السلفات، متمسكاً باستقلالية صلاحيات الهيئة بناءً على قرار صادر عن مجلس شورى الدولة يستند إلى المادة 51 من القانون 431 (قانون تنظيم قطاع الاتصالات) والتي تقول: «تبقى جميع الأحكام القانونية والتنظيمية المعمول بها قبل نفاذ هذا القانون سارية المفعول إلى أن يتم تنفيذ القانون».
الرأي الاستشاري أتى مخالفاً لرأي حبّ الله الذي قرّر أن يسلّم الفواتير لديوان المحاسبة، لا لوزارة الاتصالات، ثم طلب موعداً من رئيس الحكومة تمام سلام لشرح استقلالية الهيئة وتفسير طريقة التخاطب الإدارية مباشرة بين الهيئة والأمانة العامة لمجلس الوزراء... لم يصغِ سلام، بل طلب من حرب معالجة الموضوع، وهو ما اعتبره حرب فرصة لإطاحة حبّ الله والسيطرة على الهيئة. لكن حبّ الله قرّر أن يردّ على طريقته، واضعاً المسألة بيد مجلس الوزراء!
في ظل هذه المعمعة كلها، ثمة سؤال لم يجب أي من المتساجلين عنه: إذا كان مجلس الوزراء غير قادر على الانعقاد، وبالتالي على حسم مسألة سلف الخزينة وكف يد حب الله، وبصرف النظر عما ستصل إليه نتائج السجال القائم بين حب الله بما يمثّله سياسياً، وبين الوزير حرب، فمن أين ستُدفع رواتب الموظفين البالغة 160 ألف دولار شهرياً؟