لا يزال مشروع تعديل سن التقاعد الذي صاغته قيادة الجيش في أدراج الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ 31 كانون الأول 2014، من غير أن يسعى أي من الأفرقاء إلى إخراجه من الجوارير، أو المطالبة بإدراجه في جدول أعمال جلسة لمجلس الوزراء.يحتمل هذا التحفظ أكثر من مبرر: منها وجهة نظر رئيس الحكومة تمام سلام عدم الخوض فيه في مجلس الوزراء قبل التيقن من التوافق عليه. منها أيضاً محاولة البعض ــ من غير أن يرفضه ــ تنويمه إلى ما بعد منتصف تشرين الأول ريثما يخرج قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز إلى التقاعد، ويُعثر على وجهة النظر هذه في اليرزة خصوصاً. منها ربط المشروع بتفاهم سياسي أوسع يؤول حكماً إلى إيجاد المخارج اللازمة لتوقيع مرسوم العقد الاستثنائي للبرلمان قبل الوصول إلى 20 تشرين الأول. منها كذلك مَن يتذرّع بأعباء مالية تترتب على رفع سن تقاعد الضباط جميعاً بلا استثناء.

في الأسبوعين المنصرمين عمل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على بعث الروح في المشروع، تبعاً لبضعة أفكار تعزز التعامل معه بإيجابية. توخى منها تأكيده أنّ فيه أكثر من سبب، بل أكثر من فائدة، لإرساء تسوية الحد الأدنى بين الأفرقاء، تخرجهم من المأزق وتعيد إحياء المؤسسات الدستورية، وتوقف الحملة على تأجيل تسريح الضباط الثلاثة الكبار وتزيل الالتباس من حوله.
في حصيلة جولة أولى لإبراهيم على المسؤولين والقيادات، الحاجة إلى مزيد من التشاور من دون إهدار كمّ إضافي من الوقت. إذ يقتضي إنجاز التفاهم في حيز زمني قصير لا يتجاوز النصف الثاني من أيلول، إذا عزم الأفرقاء المعنيون جدياً وحقاً على الموافقة على تسوية تأكل القليل من شروط كل منهم. إلا أنها تفضي في نهاية المطاف إلى محاولة انتظام المؤسسات الدستورية، وإخراج الجيش من اشتباك السياسيين بعضهم مع بعض، وفتح منافذ جديدة على الحوار.
في لقائه غير المعلن مع عون مساء الثلثاء، خرج إبراهيم بانطباع إيجابي. يقول المطلعون على مسار التفاوض إن نصف المشكلة عند رئيس تكتل التغيير والإصلاح، والنصف الآخر عند الرئيس سعد الحريري. كلاهما عقبة أخيرة في إمرار مشروع رفع سن التقاعد، وفي الوقت نفسه باب على الولوج الى الحل.

تتوخى مبادرة
اللواء إبراهيم تسوية تأكل القليل من شروط كل من المعنيين


وتبعاً للمطلعين عن قرب على مبادرة المدير العام للأمن العام، فإن الجوانب المحيطة بالتحرك الأخير ترتكز على معطيات منها:
1 ــ موافقة عون على المشروع ــ وهو بدا حديثاً أكثر اقتراباً منه من أي وقت مضى ــ ملازمة لموافقته على توقيع مرسوم العقد الاستثنائي لمجلس النواب. لا مقايضة بينهما، لكن لا فصل أيضاً لكون المشروع لا يبصر النور إلا في مجلس النواب.
2 ــ موافقة عون ملازمة لموافقة الحريري الذي يبدو وحده الرافض المعلن له، ويضع نفسه في صدارة إقراره بذرائع شتى منها كلامه عن أعباء مالية ضخمة تترتب على رفع سن التقاعد، ومنها اعتقاده بتسبّبه بتخمة في عدد العمداء تجعل هرم الجيش مقلوباً رأساً على عقب. بذلك، تصبح موافقة عون غير مجدية، وإن وقع مرسوم العقد الاستثنائي، لكون إصرار الحريري على رفض المشروع سيحمله على رفض التصويت ضده في مجلس الوزراء ثم في مجلس النواب. تالياً سيتعذر انعقاد البرلمان في غياب الفريق السنّي الرئيسي بعدما أضحت الميثاقية عصا غليظة تلوح بها الطوائف بعضها في وجه بعض في لعبة عضّ الأصابع، على نحو تعذر انتخاب رئيس الجمهورية وتعطيل انعقاد مجلس النواب ومنع مجلس الوزراء من اتخاذ القرارات.
3 ــ من دون ضمانات متبادلة بين الأفرقاء، لا تعديل لسن التقاعد ولا عقد استثنائياً للبرلمان. لا أحد جاهز لتقديم ثمن مجاني، إلا أن كلاً من الأفرقاء المعنيين يريد أحياناً ثمناً لا يستحقه. لكن الأبرز في ما يعنيه توقيع مرسوم العقد الاستثنائي، بالنسبة إلى رئيس تكتل التغيير والإصلاح ونوابه، أنه يذلل أحدث محطات خلافه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، عندما طعن قبل أكثر من أسبوعين في شرعية المجلس. ما يُسجّل تراجعاً ضمنياً يرضي بري في أحسن الأحوال.
4 ــ يؤول مشروع رفع سنّ التقاعد إلى قوننة تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير عندما يشملهم هذا المشروع، في ضوء شكوك أحاطت بتأجيل تسريحهم وعرّضته للطعن في عدم قانونيته، ناهيك بحملة سياسية عليه توجّهت خصوصاً إلى قائد الجيش. إلا أنه يعني في المقابل بقاء قائد فوج المغاوير في الخدمة ثلاث سنوات جديدة اعتباراً من منتصف تشرين الأول، فلا يفقد حظوظه في الوصول إلى قيادة الجيش ربما.
تبعاً لذلك، يمكث قهوجي في منصبه حتى أيلول 2016 ــ وهي المدة التي نصّ عليها قرار 5 آب ــ رغم أنه تبقى له سنة إضافية كي يكمل سني خدمته الـ44 السقف الأعلى لاستمراره في الجيش ــ في أيلول 2017، في حين أن سلمان سيجبه امتحاناً عسيراً في آب 2016، إذ يكون قد ختم 43 سنة في الخدمة، هي أقصى ما يُعطى رئيس الأركان أو حامل رتبة لواء. يقتضي عندئذ البحث عن بديل منه. سيكون الامتحان مماثلاً للنائب وليد جنبلاط ما دام صاحب الكلمة الفصل في تعيين رئيس الأركان الدرزي. لا يسع سلمان الاستمرار أو تأجيل تسريحه لمرة ثالثة، فيشغر منصبه.