القاهرة | خلال أسبوعين فقط، تم وقف طباعة 3 صحف أسبوعية في مطابع «الأهرام» التي تعتبر المطابع الأضخم في مصر ويُفترض أنّها لا تتدخل في مضامين الصحف المطبوعة عندها وتوزعها المؤسسة المصرية الأعرق أيضاً على باعة الصحف. من يعترض إذن ويُصدر قراراً بوقف الطبع؟ الفاعل دائماً مجهول ومعلوم في الوقت نفسه.
«الأهرام» بدورها تبلغ إدارة الجريدة التي اوقف طبعها أنّ هناك اعتراضاً على هذا التقرير أو ذاك، وأن استكمال الطبع يستلزم أولاً تغيير التقرير أو المقال. أحياناً، يصدر القرار بعد الطبع، فيتم «فرم» كل النسخ، وإعادة طبعها من جديد وتتحمل الجريدة الكلفة... كلفة الرقابة الباهظة. خيط واحد يربط بين وقائع وقف طباعة الصحف الثلاث، أن الموضوعات تتعلق بشخص الرئيس عبد الفتاح السيسي وسياساته. الأمر لم يرتبط أبداً بوقائع فساد، أو بهجوم على نظام مبارك ورجاله، أو بانتقادات موجّهة إلى المشاريع الحكومية الجديدة وغير ذلك. الأمر مرتبط فقط ـ حتى الآن- بشخص الرئيس ورؤاه السياسية والمقربين منه. البداية كانت مع «صوت الأمة» التي أوقفت طباعتها بسبب تقرير بعنوان «أحزان الرئيس» تناول كواليس مرض والدة الرئيس التي توفيت بعد أيام من واقعة المصادرة. لم يحظ الموقف وقتها برد فعل كبير لأنّ بعضهم رأى أن التقرير تدخل في الحياة الشخصية للسيسي. لكن ظل السؤال قائماً: كيف يصدر قرار سري بمصادرة جريدة ويتم تنفيذه من دون سند قانوني؟ أول من أمس السبت، تكررت الواقعة مرتين: الأولى مع جريدة «الصباح» التي يملكها رجل الأعمال أحمد بهجت. وفي سابقة جديدة يتم منع الطباعة بسبب مقال في الصفحة الـ 14 و ليس له إشارة في الصفحة الأولى. المقال كان يهاجم محمد بدران رئيس حزب «مستقبل وطن»، ورئيس اتحاد طلاب جامعات مصر الذي انشغل سريعاً بالسياسة واصطحبه الرئيس السيسي على متن يخت المحروسة خلال افتتاح القناة. المقال للكاتب أحمد رفعت وحمل عنوان «كيف تصبح طفلاً للرئيس في تسع خطوات» وجاء رداً على تصريحات سابقة لبدران نشرتها الجريدة نفسها. وقال وائل لطفي رئيس التحرير إنّ الجريدة أرسلت نسخة من المقال لبدران وطالبته بالرد عليه في العدد نفسه لو أراد، لكنه رفض التعليق. وقبل أن تذهب الجريدة إلى المطبعة، كان القرار قد صدر بعدم نشر المقال. طبعاً حظيت كلمات أحمد رفعت لاحقاً برواج واسع على مواقع التواصل. ردة فعل بالتأكيد كان يدركها الرقيب المجهول. لكن الرسالة الأساسية كانت الأهم من رواج المقال، هو ازدياد الخطوط الحمراء بعدما عبر السيسي عامه الرئاسي الأول وفقدت أقلام مختلفة الصبر على عدم الانتقاد وقررت المواجهة قبل أن يحاصرها الخط الأحمر غير المتوقع. على المنوال نفسه، مُنعت طباعة جريدة «المصريون» ذات الاتجاهات الإسلامية في اليوم نفسه بسبب مقال للكاتب جمال سلطان حمل عنوان «لماذا لا يتوقف السيسي عن دور المفكر الإسلامي؟»، وتقرير آخر حول زيارة الرئيس المصري المرتقبة لبريطانيا وما تردد عن إمكانية ملاحقته قضائياً في عاصمة الضباب. حتى الآن الصحف تستجيب وتغير المواد المطلوبة، ما يعني فعالية الخطوط الحمر التي قد لا يحتاج فارضها للمزيد من المتابعة قريباً لو عاد الرقيب الداخلي يمسك بأقلام الصحافيين ويمنعهم من الخوض في أمور قد تجعل المصادرة عادة، وقد تصل بالرقيب المجهول للكشف عن نفسه والجلوس بشخصه على مقعد رئيس التحرير.