القاهرة | جريدة «التحرير» التي صدرت للمرة الأولى بعد ستة أشهر فقط من ثورة يناير، لن يجدها القراء خلال أيام عند باعة الصحف. فقد قرّر مالكها رجل الأعمال أكمل قرطام وقف الإصدار المطبوع والإكتفاء بالإلكتروني، وسط توقّعات بأن يختفي الموقع أيضاً خلال أسابيع. الأزمات المالية التي تؤدّي إلى الإظلام التام، إنتقلت من القنوات المصرية إلى الصحف.
البداية مع جريدة «التحرير» التي أسسها إبراهيم عيسى في تموز (يوليو) 2011 بتمويل من الناشر إبراهيم المعلم، قبل أن ييبعها الأخير إلى قرطام بعد عامين من صدورها، ليُعيد قرطام تأسيس الصحيفة وتطوير مقرّها. لكن الحماسة لم تستمرّ طويلاً، وإنهارت الوعود التي كان من المفترض أن تحوّل «التحرير» إلى مؤسسة صحافية متكاملة، فغادرها عيسى العام الماضي ليؤسس جريدة «المقال»، وتولى إبراهيم منصور رئاسة تحرير «التحرير». لكن قرارات إدارية متخبّطة ظلّت تتواصل طوال تلك الفترة ما بين فصل الموقع الإلكتروني عن الجريدة المطبوعة ثم إعادة الدمج، والاستعانة برؤساء تحرير آخرين لقيادة المطبوعة نفسها إلى جانب منصور وهما: علي السيد وأنور الهواري تحت مسميات وظيفية مختلفة، ليتندّر المحررون على الجريدة التي أصبحت بثلاثة رؤوس. سبق ذلك خفض المرتّبات الشهرية، رغم الإنفاق على مشاريع أخرى داخل المؤسسة ذاتها، بل إطلاق جريدة جديدة هي «الأهم» والتخطيط لصحف أسبوعية أخرى سرعان ما توارت. كل هذا التضارب أدّى إلى إعلان قرطام أخيراً عن وقف الإصدار المطبوع مطلع أيلول (سبتمبر) المقبل، والتحجّج بأنّ السبب خسائر وصلت إلى 55 مليون جنيه (7 مليون دولار تقريباً). ولفت قرطام إلى أنه سيوزّع المحرّرين المعينين على جريدة «الأهم» الأسبوعية وموقعها الإلكتروني إلى جانب موقع لـ «التحرير» الذي يشكّك معظم العاملين بالمؤسسة في إستمراره بعد إنتهاء الأزمة الحالية. السيناريوهات التي صاحبت قرار الغلق تعدّدت، وسط تساؤل حول مدى مسؤولية قرطام نفسه عن الخسائر المادية، لأن معظم القرارات صدرت من مكتبه أو مكاتب الإداريين المحسوبين عليه وليس الصحافيين. هناك من إفترض أن الغلق هو المقابل الذي دفعه قرطام من أجل الحصول على ترخيص رسمي بصدور جريدة «الأهم» بعد إطلاق العدد التجريبي، لتختفي بذلك آخر وسيلة إعلامية تحمل إسم «التحرير». سيناريو آخر مواز يؤكّد أن القرار داخلي، وهناك من ضمن فريق قرطام مَن لا يرغب في الإبقاء على تلاميذ إبراهيم عيسى داخل المؤسسة، والحلّ كان إغلاق الجريدة واستبدالها بمطبوعة أخرى. لكن في كل الأحوال، يغيب المنطق عن الصورة برمتها. قرطام الذي يرأس أحد الأحزاب الجديدة من المفترض أنه سيترشح في البرلمان المقبل، وبالتالي يحتاج إلى صحيفة يومية تدعم موقفه السياسي. فكيف يغلق الجريدة قبل الإنتخابات؟ ولماذا لم ينتظر حتى نهاية العام مثلاً؟. وما المنطق في صدور جريدة جديدة عن مؤسسة تدّعي بأنّها تخسر بسبب الصحيفة الأم؟. فهل يضمن أكمل قرطام أن تعوّضه «الأهم» عن خسائر «التحرير»؟ كل ما سبق من أسئلة لا يجيب عنها أحد في إدارة «التحرير»، والجميع مشغول حالياً بالتسويات التي سيحصل عليها المحررون غير المرغوب في الإبقاء عليهم، وقد إعترضوا مبكراً على قيمة التسوية وإعتبروها غير عادلة.