تلازمَ انكسار البورصات في الصين وبعض دول الشرق الأدنى والاتحاد الأوروبي، مع انخفاض في أسعار النفط. العقود الآجلة لشهر تشرين الأول على برميل «برنت» سجّلت تراجعاً في السعر بقيمة 1.18 دولاراً أو ما نسبته 2.61% للبرميل الواحد. في اليوم نفسه سجّل سعر برميل «برنت» أدنى مستوى له منذ آذار 2009، وبلغ 44.24 دولاراً. ضمن هذا المسار الانحداري الذي شهدته الاسواق العالمية منذ مطلع السنة الجارية، كان سعر برنت قد تراجع بنسبة 2.5% يوم الجمعة الماضي مسجلاً 45.46 دولاراً.
وفي ظل تعقد وتشابك المواضيع السياسية والاقتصادية المؤثّرة في سعر النفط، «يتنبأ» بعض المحللين الخليجيين بأن الأسعار ستتراجع إلى 20 دولاراً، إذ صرّح المحلل النفطي محمد الشطي لوكالة الأنباء الكويتية بأن هناك فائضاً من الكميات المعروضة في السوق، لا يزال هناك اختلاف على تقدير حجمه، إلا أن «هناك حديثاً عن ان أسعار النفط ستبقى ضعيفة لفترة طويلة، قد تمتد حتى عام 2020، وهناك من لا يستبعد هبوط أسعار النفط إلى 20 دولارا أو 10 دولارات للبرميل». كذلك، يشير كارستن فريتش، وهو كبير محللي سوق النفط لدى «كومرتس بنك» في فرانكفورت (رويترز)، إلى أن «التراجع ليس له علاقة بالعوامل الأساسية في السوق، بل يرتبط بالصين.. هناك مخاوف من حدوث تباطؤ اقتصادي عنيف أو إفلات الزمام من يد السلطات الصينية».

أسباب التراجع: ثلاثة

في الواقع، إن تعدّد العوامل المؤثّرة في أسعار النفط يزيد من صعوبة تقدير الأسعار خلال الفترة المقبلة وتحوّل الارقام إلى «تنبوءات». وبحسب الخبير الاقتصادي في البنك الدولي وسام حركة، فإن عدد العناصر المتغيّرة التي تدخل في تركيب أسعار النفط واسعة ولا يمكن توقعها «إلا أن التوقعات تكون عديدة عندما يكون هناك منحنى واضح ومسار معيّن لأسعار النفط والأحداث المرتبطة بها». وفي الحالة الراهنة، أي انخفاض الأسعار اليوم، فإن المسببات قد تكون واضحة:
ــ أول الأسباب هو ذاك الذي أشار إليه تقرير صادر عن البنك الدولي بشأن الاتفاق النووي الإيراني وانعكاساته الاقتصادية. يشير التقرير إلى أن الاتفاق «سيعيد إيران إلى سوق النفط وسيكون بإمكانها زيادة صادراتها بنحو مليون برميل يومياً، وهو ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار بنحو 14% أو ما يوازي 10 دولارات للبرميل الواحد، وذلك في حال عدم صدور استجابة استراتيجية من مصدري النفط الآخرين». قبل الاتفاق النووي الإيراني كانت تحليلات البنك الدولي تشير إلى أن انخفاض متوسط سعر برميل النفط سيكون بنسبة 40% في عام 2015 مقارنة بأسعار عام 2014، ثم يعود السعر إلى الارتفاع في عام 2016 بنسبة 6%. هذا يعني أن متوسط سعر البرميل الذي كان يبلغ 103 دولارات في عام 2013 انخفض إلى 96 دولاراً في عام 2014 وسينخفض إلى 57.4 دولاراً في نهاية 2015، ثم يرتفع إلى 60.8 دولاراً في نهاية 2016. البنك الدولي يعيد النظر بتقديراته بصورة دورية لتقديم تصوّر أفضل بحسب المتغيرات الطارئة سياسياً واقتصادياً.
ــ ثاني الأسباب، وفق حركة، يتعلق بسوء حالة الصين. التباطؤ الاقتصادي في الصين التي تمثّل ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، سيكون له أثر سلبي على الاسعار. وقد بدا واضحاً من حركة البورصات العالمية أمس، أن سوء الأوضاع المالية وتدهور البورصة الصينية وبورصات دول الشرق الأدنى في الصين شدّ معه بورصات عديدة أوروبية نزولاً فضلاً عن بورصات تايلاند وسنغافورة... ويشير حركة إلى أن تراجع النمو في الصين سينعكس مباشرة على دول الخليج قبل أن يؤثّر على أي بلد آخر. عندما يصبح سعر النفط عبئاً عليهم ستلجأ دول الخليج إلى أدواتها المعروفة للحفاظ على السعر. طبعاً هناك سؤال لا إجابة اقتصادية أو سوقية عنه لدى أحد: لماذا تكتفي اليوم دول الخليج المنضوية في منظمة أوبك بالتفرّج على سعر النفط يهوي ويضعف موازناتها من دون أي خطوة؟

يبدو واضحاً لخبير
البنك الدولي وسام حركة أن المؤشّر الأول هو خفض التحويلات

ــ ثالث الأسباب يتعلق بالنفط الصخري. إن التوقعات بإنتاج كميات كبيرة من النفط الصخري واستغناء الولايات المتحدة الأميركي، بوصفها أكبر مستهلك للنفط في العالم، عن جزء من النفط الخليجي فتح الباب أمام خفض الأسعار جزئياً وتقوية عوامل سلبية من التأثير في السعر. غير أن بعض المحللين الخليجيين يقلّلون من أهمية النفط الصخري، إذ يقول رئيس مركز الأفق للاستشارات الادارية خالد بودي لوكالة الأنباء الكويتية، إن «النفط يباع حاليا بأسعار زهيدة جداً وهو ما كبد الدول المنتجة خسائر ضخمة. إن الحديث عن محاولات بعض الدول المنتجة الصمود مع انخفاض الأسعار للقضاء على ظاهرة النفط الصخري مرتفع الكلفة هو ضرب من الخيال، فضلاً عن وجود تضخيم لدور النفط الصخري في الأسواق». بودي يدعو دول «أوبك» إلى التدخل من أجل خفض الكميات المنتجة تمهيداً لخفض الاسعار.

ميزان لبناني

إزاء هذا التراجع في الأسعار، ثمة من يقول إن لبنان مستفيد من هذا الأمر. مدير الدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل يشير إلى أن فاتورة الاستيراد ستتقلص مع انخفاض أسعار النفط، وبالتالي فإن العجز في الميزان التجاري بين الصادرات والواردات سيتقلص أيضاً. كذلك، فإن انخفاض الأسعار سيؤدي إلى تقليص تحويلات الخزينة، وسيزيد القدرة الشرائية للمستهلكين.
في المقابل، يشير حركة إلى أن مشكلة تراجع أسعار النفط على المديين المتوسط والبعيد، متصلة أكثر بتأثيرها على حركة تحويلات المغتربين اللبنانيين العاملين في دول الخليج. هؤلاء يختلفون عن المغتربين في أميركا وأوروبا واستراليا لأن لديهم صلة أقوى مع بلدهم لبنان، نظراً إلى صعوبة اكتسابهم الجنسية في دول الخليج على عكس ما يحصل في أوروبا وأميركا، وبالتالي فإن هؤلاء يحافظون على صلات أقوى مع لبنان ويشترون منازل، وعقارات ويرسلون الأموال النقدية إلى حساباتهم... وبالتالي فإن أي أثر سلبي لانخفاض أسعار النفط على موازنات دول الخليج سينعكس على مداخيل المغتربين أيضاً.
ولا شكّ لدى أحد بأن تحويلات المغتربين اللبنانيين هي أحد أهم العوامل التي تبقي لبنان واقفاً على رجليه. فهذا البلد، مرتبط بالتدفقات الخارجية بالعملات الأجنبية، ولا يمكنه أن يسدّد كلفة ديونه، ولا أن يموّل استهلاكه الداخلي (غالبيته مستورد) من دون هذه التدفقات. بعض هذه التدفقات شهد ضعفاً كبيراً خلال الفترة الأخيرة، فبحسب الحركة تراجعت حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 9% من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما بين 2% و3% من الناتج «لكن لم يتحوّل، حتى الآن على الأقل، انخفاض أسعار النفط إلى تدهور في النمو في الخليج، وبالتالي ليست هناك مؤشرات على انعكاسات سلبية حالية في لبنان».
تأثر النمو الاقتصادي في دول الخليج هو المؤشّر على تحوّل «نعمة» انخفاض أسعار النفط إلى «نقمة».