جدار ابن يومين

أول من أمس، ولد لنا جدار. احترنا في تسميته. نعته البعض بانفعال «جدار العار». وقال البعض الآخر: هذه صفة وليست اسماً. ثم، أشار علينا غيرهم بأن نسميه «الجدار العازل»، لكننا بقينا محتارين: من يشبه الوليد؟ سمّوه على اسم أبيه! قالوا. لكن، من هو أبوه؟

من الذي تفتق عقله عن حمل كهذا؟ اسم الأب مجهول. ثم، وصلت المسألة الى نشرات الأخبار، فاختاروا أن يشيروا إليه باسم «جدار الفصل». هووه ده! الفصل. بين من ومن؟ بين السرايا وبين الشارع، بين السلطة وبين الرأي العام.
يا إلهي، كم هي فصيحة الجغرافيا! أسماؤها وصف لها. لا حاجة إلى النعوت. الجغرافيا بليغة: إنها تفسر نفسها بنفسها، هي ناطقة.
هكذا فصل الجدار الشارع عن السرايا. والسرايا عالية كفاية لكي لا يصلها ضجيج الشارع. لكنها على ما يبدو لم تعد، بعد التظاهرات الأخيرة، عالية كفايةً! فلقد علا صراخ الشارع وقرعت للسرايا طناجر الألمنيوم، ومقالي التيفال الخالصة مدتها، ونفخت الزمامير المخصصة للملاعب. حاول الناس أن يجعلوا لفضيحة الطبقة السياسية صوتاً. فزمروا بالأبواق، سحابة النهار وأطراف الليل. امتعضت السرايا. فهي تريد الانصراف الى عملها في القسمة والطرح والضرب والنصب... بدون ضجيج. القافلة تمشي، بالنسبة إلى النظام، ونحن الكلاب، ننبح.
والقافلة ليس من الضروري أن يكون فيها جمال ونوق. فقد تكون نوعاً من البعير "الهاي تك". كما أن الكلاب، أمثالنا، ليسوا من ذلك النوع المدلل الذي يُجرون له مسابقة في الجمال سنوياً، بل كلاب شوارع. والدليل؟ ما فعلناه أخيراً تحت السرايا. لذا كان الجدار الفاصل. هو ليس إلا نوعاً من «دوبل فيتراج».
لكن، بساعة واحدة، تحول الجدار الى لوح. وكل «الكسلانين» استغنموا الفرصة و"تنطّطوا" أمامه كالطلاب المشاغبين، يرسمون ما بدا لهم عليه. حوّل المتظاهرون الجدار الى «شق» يبصبصون من خلاله، لمجرد الازعاج، على «الرَّبع» الذي يسيّر القافلة، على وقع المهابيج المختلطة بأغاني "ديسكوتكات" جزيرة ميكنوس الحبيبة. «شمط» أحدهم أذن والد الجدار المجهول، بعدما نددت الصحف الأجنبية بالمولود الجديد. يا للهول! الأجانب استنكروا إقامة الجدار! فلنُزِله.
كان جداراً ابن يومين. لكن القافلة لا تزال تمشي، خلف الجدار، وهي لا تزال تظن، كما رأينا بعد مقررات جلسة اليوم، بإن صراخنا واحتجاجنا ليسا إلا عواء. إن لبعض الظن اسماً: الغباء.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم