مجدداً نجحت محاولات حركة حماس ورئيس الحركة الإسلامية المجاهدة الشيخ جمال خطّاب في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في مخيم عين الحلوة. ومجدداً، جرت عرقلة مساعي قوة فتحاوية للحسم عسكرياً في المخيم، في مواجهة المجموعات الإسلامية المتشددة (بقايا فتح الإسلام وجند الشام) المنضوية تحت لواء «الشباب المسلم».
مسجد النور الذي يؤمّه خطّاب استضاف اجتماع اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا التي تمثل كافة الفصائل الوطنية والقوى الإسلامية، وأعلنت رسمياً وقف الاشتباكات التي تجددت ليل الاثنين، ودامت حتى ظهر أمس. من الاجتماع، خرجت لجان عدة انتشرت بين محاور القتال لفرض وقف إطلاق النار. واحدة توجهت نحو فتح مؤلفة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأخرى نحو الإسلاميين المتشددين مؤلفة من حماس والقوى الإسلامية. وثالثة توجهت نحو مفرق سوق الخضار مؤلفة من القيادة العامة وحركة الجهاد الاسلامي. أما اللجنة الرابعة فتولّت صياغة بيان إنهاء الاشتباكات وإعلانه في مساجد المخيم. البيان طلب من «اللجنة الأمنية وكافة الحريصين على المخيم وأهله وقف إطلاق النار، على أن تتابع اللجنة الأمنية إجراءاتها لسحب المسلحين من المراكز المستحدثة وغير المستحدثة. ونحذر الجميع من اللعب والعبث بحياة الآمنين والصامدين من أبناء شعبنا الفلسطيني».

كان لافتاً تحميل الجهاد الإسلامي الفتحاويين مسؤولية التدهور الأمني


خطّاب تولى متابعة كل اللجان. هو نفسه الذي حمّل فتح مسؤولية تجدد الاشتباكات في كل مرة مع الإسلاميين. وهو أيضاً جدّد الضمانات قبل الاشتباك الأخير بساعات، لقائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي أبو عرب، بالتزام الشباب المسلم بوقف إطلاق النار. هؤلاء الشباب أنفسهم افتتحوا الاشتباك الأخير بهجوم على حاجز لقوات أبو عرب حيث سقط اثنان من عناصره هما فادي خضير وعلاء عثمان، ما دفع بأبو عرب إلى التصريح في لقاء تلفزيوني: «لقد غدروني».
لم يكن خطّاب وحده من تحامل على فتح، رغم أن الاشتباكين الأخيرين بدأ بهما الشباب المسلم (اشتباك السبت بمحاولة اغتيال العقيد أبو أشرف العرموشي واشتباك الاثنين بالهجوم على حاجز لفتح). كان لافتاً الموقف غير المسبوق لممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان أبو عماد الرفاعي الذي وجد أن «هناك مشكلة كبيرة، أحد أسبابها هو حركة فتح غير القادرة على ضبط عناصرها». وحمّلها مسؤولية «اتساع رقعة الاقتتال داخل المخيم، وهي يجب أن تأخذ قراراً بعدم اتساع دائرة المعركة. وإذا كان هناك مكان تم اقتحامه من قبل جماعات خارجة عن القانون تتم معالجة هذا الموضوع في مكانه». موقف الرفاعي استدعى رداً من المستشار الإعلامي في السفارة الفلسطينية حسان شيشنية الذي رأى أن تحميل فتح المسؤولية «تذكير بالموقف من أحداث نهر البارد. فهناك اليوم مشروع داعشي تمثله قوى ظلامية تكفيرية يقف خلفها فصيل إسلامي بهدف تهجير أهلنا ومشروع وطني تمثله حركة فتح يهدف للحفاظ على حق العودة. لكن يبدو أن الأخ أبو عماد للأسف اختار المشروع الداعشي». أما السفير الفلسطيني أشرف دبور، فأوضح أن «فتح تقوم بالرد على المخلين بالأمن والمسؤولية لا تقع عليها وحدها».
فتح حسمت الجدل وقالت في بيان لها إن «مجموعات مسلّحة خارجة عن الإجماع الوطني الفلسطيني ومرتبطة بتوجيهات خارجية ومشاريع سياسية مشبوهة تقوم على القتل وارتكاب الجريمة، واستباحة المخيم وأهله وأمنه. وبات واضحاً أن المدخل لتأزيم الوضع الامني استهداف قيادات وكوادر وأعضاء فتح. وهذا المخطط الدموي أصبح يهدد أمن المخيم ومصيره وليس فقط فتح، ويأتي في إطار مؤامرة تستهدف تدمير المخيم عبر افتعال الصراعات، كما دُمِّر نهر البارد واليرموك». وتساءل البيان: «إلى متى ستبقى هذه المجموعات تسرح وتمرح وترتكب الجريمة تلو الجريمة من دون رادع؟».
ميدانياً، حققت فتح في اشتباك الاثنين تقدماً ملحوظاً. عناصر العميد محمود عيسى «اللينو» مع عناصر العرموشي هم الذين خاضوا معركة فتح ضد الإسلاميين على محاور المخيم كافة. استطاعوا استعادة حاجز البراكسات ومجمع المدارس في الطوارئ وحاصروا الطيرة وحطين وهاجموا منازل للإسلاميين في الصفصاف، لا سيما منزل أحد قيادييهم جمال حمد الذي اضطر إلى مغادرة الحي وأحرقوا منزل محمد الشريدي (من كشافة المقدسي) الذي افتعل إشكال طيطبا مع الفتحاوي عبد سلطان.
لكن ماذا عن «الحسم» الذي قال الفتحاويون أول من أمس إنهم عازمون عليه؟ أوساط قريبة من اللينو لفتت إلى أن «وضع الناس بالمرصاد والتلويح بسقوط الأبرياء، دفع به إلى الموافقة على وقف إطلاق النار منعاً لسقوط ضحايا من الأهالي ولعودة العائلات التي تشتت ليل الاثنين خارج منازلها». ليس دم الأبرياء من عرقل الحسم ولا سعي حماس وخطّاب لوقف إطلاق النار. داخل فتح غير الموحدة، برزت أجنحة تؤيد منع الحسم. بحسب مصادر من داخل المخيم، تخشى تلك الأجنحة من أن يعيد الحسم نفوذ اللينو (المحسوب على القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان) الذي ازداد خصومه داخل الحركة. الأجهزة الأمنية اللبنانية تباينت مواقفها من الحسم أيضاً. ضباط في الجيش أبدوا بداية تأييدهم للحسم، قبل أن يتراجعوا ويشاركوا في الاتصالات لوقف إطلاق النار، علماً بأن الإسلاميين استهدفوا حاجز الجيش في التعمير من دون أن يرد. منازلة فتح والإسلاميين كشفت منازلة أخرى بين حماس وعصبة الأنصار التي كانت معنية بالتنسيق والتواصل بين مختلف الأطراف. جاءت حماس مؤخراً لتأخذ دورها، فيما العصبة عالقة بين ميول جزء من قاعدتها للشباب المسلم وبين التزامها مع المرجعيات اللبنانية وفتح. في هذا الإطار، سجّل تدخل عدد من عناصرها في الصفصاف لمواجهة تقدم فتح نحو معاقل الإسلاميين. الموقف العلني الوحيد للعصبة كان لمسؤولها الشيخ أبو طارق السعدي الذي هدّد من يطلق النار على الجيش بالرد على مصادر النيران.
حتى تتفق فتح داخلياً على الحسم مع الإسلاميين، تلوح في الأفق جولات متتالية للاشتباك بينهما. مشهد جبل محسن والتبانة سيتكرر في عين الحلوة. الأخطر أن الاشتباكات لم تعد محصورة داخل المخيم. كان لافتاً إصرار الإسلاميين على توجيه قذائفهم ورصاص القنص نحو مدخل الجنوب عند أوتوستراد الزهراني ــ صيدا، ما أدى إلى قطع السير عنه في الأيام الماضية، ما أثار تساؤلات عن الأهداف الجانبية لتوتير المخيم ومحيطه. حتى تحين الجولة المقبلة، أكد اللينو إصراره على عدم الانسحاب من النقاط التي تقدمت فيها فتح، رغم إعلان وقف إطلاق النار، باستثناء مجمع المدارس الذي تم الاتفاق على سحب كافة المسلحين منه. الحصيلة المعلنة للاشتباك الأخيرة بلغت قتيلين لفتح وعشرات الجرحى من الطرفين. تضاربت المعلومات حول مقتل الناشط في جند الشام هيثم الشعبي، لكنه سرعان ما وزّع تسجيلاً صوتياً يؤكد أنه بخير. من بين الجرحى محمد الشعبي. لكن مصادر من داخل المخيم أكدت أن بلال البدر دَفَن بسرية تامة ثلاثة من عناصره (تؤكد المصادر أنهم ليسوا فلسطينيين) في بستان الطيار، سقطوا في الاشتباكين الأخيرين.