أنور فخري أحد يسارييّ منطقة بشري الذين نبتت جذورهم الفكرية في حركة «الشبيبة البشراويّة» قبل عقود، وهو مُزارع يملك بستاناً للتفاح و«جنينة» خضار. يصفونه بـ«المُربّي، مراقب الطبيعة ودينامو بلديات بشري». أمّا هو فيقول فخوراً: «يساري رغم عدم اقتناعي بالشيوعيين. أنا ما ببرم». عند السابعة صباحاً، يخرج فخري من منزله مُتوجهاً إلى أرضه ليعود عند الحادية عشرة. لا يتغدّى من دون «كاس» ويسكي أو بيرة «وفي الشتاء نبيذ لأن العرق يضرّني». بعد القيلولة: «بزبط حالي وبروح عند الشباب العب ورق، برجع 8، بتناقم فيي مرتي شوي وبنام».
رئيس التعاونية الزراعية السابق في بشرّي، كان عضواً في لجنة جبران خليل جبران الوطنية ورئيس حركة شباب بشرّي وعضو في الصليب الأحمر. اليوم هو يكتفي بالأكل والشرب والنوم «لأني ما مشيت بالصفّ». فمنذ خمس سنوات أحالته القوى السياسية في منطقته على التقاعد: «مغضوب علييّ سياسياً». يُعدّل بجلسته، فيحني ظهره إلى الأمام وينظر من فوق نظاراته: «الزعما ببشري ما قدروا يكمشوا الناس، اليوم ممسوكين، لذلك أنا قاعد بالبيت». في كلّ الأحوال: «شو بدنا بالسياسة. بدك احكيلك عن التعلق بالأرض؟». يسرد الأحداث وكأنه يحفظ صفحات التاريخ حين «فتّش الموارنة عن منطقة تحميهم واستعانوا بالزراعة المعيشية». أما التفاح فدخل بشرّي «كزراعة تجارية منذ خمسين سنة تقريباً. أعطى مردوداً كبيراً للمزارعين، قبل أن تأتي الضيقة المعيشية وتبدأ الهجرة». يُخبر كيف أن سبعين في المئة من أبناء بشرّي يعتاشون من التفاح، «نصفهم يعتمده مورداً وحيداً للعيش، والنصف الآخر يُمارس مهنة ثانية».
الحديث عن التفاح لا يكتمل من دون إعطائه بُعداً إقليمياً ــ دولياً، وخبرية «مستر لوسيان» الذي وصل في سبعينيات القرن الماضي إلى بشرّي من الولايات المتحدة الأميركية، وأكد لفخري أن «تفاحنا هو الأطيب في العالم. ولكن بالنسبة إلى اللبنانيين كل شيء فرنجي برنجي». وتصدير التفاح هو الكارثة، بالنسبة إلى فخري، «الصين وحدها تستأثر بنصف الإنتاج العالمي». إضافة إلى «الحصار بين أوروبا وروسيا، ما انعكس سلباً علينا». طيب، ماذا عن المساعدات؟ يفتح فخري يديه، سائلاً: «الشغلة عالمية، ايش بدها تعمل ستريدا (جعجع) بالصين؟».