في موازاة الانشغال بالملفات السياسية والخدماتية، ولا سيما في ظل التوتر الأخير، تترقب أوساط لبنانية ما يدور من اتصالات إقليمية ولقاءات دولية، يمكن لبنان أن يستفيد منها. إذ إنه للمرة الاولى منذ التفاهم الإقليمي الذي أرسى قيام حكومة الرئيس تمام سلام، قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، عاد الحديث بجدية عن احتمال حدوث ترتيب مماثل، وليس «تسوية»، قد يفضي إلى انتخابات رئاسة الجمهورية.
ومن دون الاستعجال في تحديد مواعيد واستخلاص نتائح متسرعة، فإن ما يجري حالياً ووصلت خلاصات منه، عبارة عن إعادة فتح ملف الرئاسيات وجسّ النبض الجدي حول تفاهمات إقليمية قد تسهّل الدخول مجدداً إليه. لأن صعوبة هذا الملف لا تزال ترتبط بالوضع السوري والساحات المعنية الأخرى حيث يستمر الاشتباك الإقليمي.
وبحسب معلومات هذه الأوساط، فإنه في الوقت الضائع الحالي، ووضع لبنان في غرفة الانتظار منذ أكثر من سنة، تتجه الأنظار راهناً إلى ما يمكن أن تحدثه الترتيبات التي يسفر عنها الاتفاق النووي، في منطقة الشرق الأوسط. وما بدأ يظهر بالنسبة إلى سوريا، يطرح أسئلة عن احتمال حدوث خرق ما على صعيد الوضع الداخلي.
ففي وقت تسعى فيه إيران وروسيا إلى إيجاد مخارج ووضع اقتراحات حلول للحرب السورية، بعدما وصل الجميع إلى حائط مسدود، دعمت واشنطن هذا التحرك المزدوج، نتيجة تفاهماتها الجديدة مع طهران. ونصحت واشنطن الدولتين المذكورتين بإجراء مساعٍ جدية لضمّ السعودية إلى دائرة الاتصالات لإيجاد مخارج لسوريا وساحات الاشتباك الأخرى تباعاً. علماً بأنّ الأولوية بالنسبة إلى الإدارة الأميركية تبقى حالياً تفعيل حملة ضرب تنظيم الدولة الإسلامية، والتفتيش عن حلول جذرية للقضاء عليه.

مع الخشية من
تطور سوري مفاجئ، يمكن أن يكون هناك فرصة حقيقية لإجراء انتخابات رئاسية

لكنّ السعودية رفضت ولا تزال حتى الآن ترفض التجاوب مع هذه المساعي، وأن تكون شريكة في إيجاد هذه الحلول، رغم محاولات واشنطن لحثها على أن تكون جزءاً من هذه الترتيبات الآنية، وليس التسويات الكبرى السابقة لأوانها وقد تستغرق سنوات لترسم مشهداً جديداً للمنطقة. فخوف روسيا ومعها الولايات المتحدة، أن يتصدع النظام السوري فجأة وينهار في شكل دراماتيكي، من الداخل، رغم كل محاولات تدعيمه. وخطورة هذا الانهيار الداخلي، وسط مؤشرات مقلقة لرعاة سوريا، تتصل بالحوادث الداخلية ضمن معسكر النظام، أنه قد يطيح المؤسسات الرسمية وهيكلية الدولة والجيش. وهذا الأمر يشكل منذ بداية الحرب السورية هاجساً مقلقا للأميركيين، في ضوء تجربة العراق، التي لا تمرّ مناسبة إلا ويذكرون بها. هذا الخوف صار أيضاً موجوداً لدى روسيا التي تدعم النظام السوري بسبب ما تشكله سوريا بالنسبة اليها من موقع استراتيجي وسياسي، أكثر مما تمثله لايران التي تساند دمشق، لكنها، أي طهران، تستند في تعاملها مع سوريا كموقع استراتيجي الى وجود حزب الله فيها.
لذا ترصد الحوارات والاتصالات الجارية بين مسقط والأردن وروسيا وطهران وواشنطن لإيجاد صيغة حلول ظرفية، في ضوء المخاوف الجدية من تطورات سورية داخلية. من هنا عاد الحديث مجدداً عن ضرورة تمتين الوضع اللبناني الداخلي، والكلام عن إجراء انتخابات في لبنان، كأحد المؤشرات الأساسية عن تسهيل للترتيبات المقترحة، ويكون بمثابة «رسالة» طمأنة إلى السعودية وحثها على الدخول في اتصالات أوسع وأشمل من الوضع اللبناني. وبحسب المعلومات، فإن واشنطن تبارك هذا التحرك وتدعم أي محاولة مماثلة تسمح بتثبيت استقرار الوضع اللبناني وفتح كوة في جدار الأزمة الإقليمية مع السعودية.
وتقول هذه الأوساط، إنه لأول مرة منذ تشكيل حكومة سلام صار الحديث عن الاستحقاق الرئاسي جدياً. وتذكر بما حصل قبل انتهاء عهد سليمان، عندما اتضح للقوى الإقليمية والدولية تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية قريباً، فتسارعت الاتصالات لتأليف الحكومة بعد تعثر طويل، للحفاظ على استمرارية عمل النظام اللبناني في ظل الشغور الرئاسي. وتسهيل إيران والسعودية لحكومة يجلس فيها المستقبل وحزب الله سوياً، ومن ثم تفعيل الحوار بينهما رغم كل الخضات، أبقى خيط الاتصال قائماً بين الطرفين وحافظ على الاستقرار الداخلي، رغم كل النيران المحيطة بلبنان.
اليوم مع الخشية من تطور سوري مفاجئ، معطوف على الخوف مجدداً على الاستقرار اللبناني الداخلي، ورفع وتيرة الاتصالات الإقليمية بعد الاتفاق الأميركي ـ الإيراني، يمكن أن يكون هناك فرصة حقيقية لإجراء انتخابات رئاسية، بإعطاء السعودية وإيران كلمة السر لإجرائها، بمباركة أميركية. وهذا الكلام الجدي، المستجد بعد شهور من انحسار موجة الرئاسيات، لا يعني بحسب هذه الأوساط، الكلام عن قرار نهائي بإجراء الانتخابات أو الاستعجال في تحديد مواعيد. بل هذا يعني حصراً إعادة فتح ملف الانتخابات مجدداً ومحاولة التقاط الفرصة الإقليمية، لترتيب الوضع اللبناني، بما يشكل مقدمة لترتيبات تتعلق بسوريا وتسبق التسويات الكبيرة.