يوم الثلاثاء الماضي، انسحب وزراء تكتل التغيير والإصلاح ووزيرا حزب الله من جلسة مجلس الوزراء بسبب اعتراضهم على «تجاوزهم» في نشر 70 مرسوماً عادياً بالأكثريّة الوزارية، أي من دون أن تحمل تواقيع الـ24 وزيراً، وذلك بخلاف ما كانت قد اتفقت عليه الأطراف السياسية.
مصادر «التغيير والإصلاح» تؤكد أن هذه الخطوة لا تندرج إلا في إطار «استباحة موقع الرئاسة». فنشر المرسوم بحاجة إلى توقيع رئيس الجمهورية. وفي عهد الشغور، ينوب مجلس الوزراء مجتمعاً عن رئيس البلاد، ما يعني أن إصدار المرسوم بحاجة لتوقيع جميع الوزراء. لم يلتزم رئيس الحكومة هذه الآلية، وبدأ نشر المراسيم. النائب ميشال عون أجرى اتصالات بالقوى السياسية، سواء مباشرة أو عبر النائب إبراهيم كنعان. ناشد الأخير «الوزراء المسيحيين» الوقوف إلى جانب التكتل في «منع المسّ بصلاحيات الرئاسة في ظلّ الشغور». ولكن، لا يبدو أن وزراء حزب الكتائب سيُلاقون «العونيين» في مُنتصف الطريق. بكركي من جهتها «اقتنعت بكلام كنعان»، كما تقول المعلومات، وقد وعد الكاردينال بشارة الراعي أن يتواصل مع الرئيس تمام سلام لإيجاد حلّ.

مطر: المرحلة لا تسمح بالتحدي، وأنا لست مع التوقيع بهذا الشكل

أما القوات اللبنانية، فتتفرج مُعتدة بنفسها أنها بقيت خارج الحكومة.
«نشر المراسيم الـ70 هو تعدٍّ على صلاحيات رئيس الجمهورية، كالتعدي الحاصل في عدم انتخاب رئيس. القصّة طوّلت»، يؤكد رئيس أساقفة أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر. «سيدنا» (البطريرك بشارة الراعي) لم يطّلع على مضمون المراسيم وما إذا كانت عادية، «قد يكون هناك أمور مُلحة. المشكلة أن الجميع يعتقد أنه على حقّ». إلا أنه في هذا الظرف مؤيد لـ«التوافق، المرحلة لا تسمح بالتحدي وأنا لست مع التوقيع بهذا الشكل». ويقول في اتصال مع «الأخبار» إنّ «الأحداث في لبنان تجرّ بعضها. الفراغ في الرئاسة الأولى استلزم منا أن يكون كلّ وزير رئيساً وجمع توقيع الـ 24 أمر صعب. هذه مُشكلة ولبنان يغرق».
لا يُدرك مطر ما ستكون خطوات بكركي المُقبلة بشأن هذا الموضوع: «كلّ ما أعرفه أنه يجري التحضير لقمة روحية جامعة من المتوقع أن تنعقد الاثنين المُقبل».
المعلومات المتوافرة عن موقف حزب القوات اللبنانية تتحدث عن أن الموضوع في معراب «قيد الدرس، الاتفاق يجب أن يكون حول كيفيّة حماية الموقع الأول في الجمهورية في ظل الفراغ مع عدم عرقلة مصالح الناس». القوات التي تتخذ موقع المُراقب لا تستغرب «الارتباك داخل مجلس الوزراء والناتج من عدم التفاهم والتجانس في المواقف بين أعضائها». وهي تتمنّى أن «يتفق الممثلون في الحكومة مع بعض لإيجاد تسوية تحمي الموقع الأول». وتشير المعلومات أيضاً إلى وجود «تشاور مع القوى المسيحية لتحديد الخطوات اللاحقة. الموضوع دقيق والمشاورات أيضاً». إلا أن هذا الأمر تنفيه مصادر المكتب السياسي لحزب الكتائب: «لم يتكلم أحد معنا في هذا الخصوص».
المصادر الكتائبية تبدأ من اتصال النائب ميشال عون بالرئيس أمين الجميّل لتوضح أنّ «رئيس حزب الكتائب هو النائب سامي الجميّل»، مضيفة أن «مصلحة المسيحيين هي في التنازل عن الأنا والاستيعاب أنه في مكان مُعين هناك شعب». هذا الشعب الذي «يعيش بين النفايات والكهرباء مقطوعة لديه مصلحته فوق أي اعتبار. لا يُمكن فريقاً أن يوفق بين التعطيل وحماية مصلحة اللبنانيين». الفصل بين الملفات السياسية والقضايا الحياتية أساسي بالنسبة إلى الكتائب: «هذا الأمر لا دخل له بحقوق المسيحيين. لا يُمكن أن نترك الناس تعاني في حين أن البعض لا همّ له إلا في تعيينات تخصه. هناك حدود لكلّ شيء».
توضح مصادر الكتائب نقطة ثانية، هي أن «الآلية التي اتفقنا عليها تهدف الى تسيير شؤون الناس، ونحن كنا واضحين حين زار الجميّل سلام بأنه إذا بقيت الحكومة مُعطلة فسنستقيل. وهذا الخيار لا يزال قيد الدرس». وهي تنتقد «التغيير والإصلاح» الذي «يخلط بين اتخاذ القرار ومُناقشته. أتوا وقالوا لنا إنه لا يُمكننا أن نُناقش القرارات. غير مقبول».
«لا أحد يُقدر صلاحيات رئاسة الجمهورية سوى الشيخ سامي»، تقول المصادر «العونية» ساخرةً من تعامل الكتائب مع ملف المراسيم: «فليتحملوا نتيجة مواقفهم أمام شارعهم». المصادر العونية تبدو واثقة من أن «موقف الوزير جبران باسيل في الجلسة هو الذي شكلّ ضغطاً». كذلك فإنها مُتفائلة بالاتصالات التي تحصل على جبهات عدّة «ومحاولات الإقناع بأنّ من غير المُمكن أن تمر المراسيم لأنها تمسّ بصلاحيات الرئاسة وبالتالي إعادة النظر بها وإمكانية عدم نشرها في الجريدة الرسمية».
وماذا لو لم ينجح هذا السيناريو ونُشرت المراسيم في الجريدة الرسمية؟ «حينئذ سيكون هناك أزمة سياسية».