فتحت أعمال الشغب التي حصلت في وسط بيروت في الأيام القليلة الماضية، شهية الإعلام على استخدامها مصطلحات تبعاً لأغراضها السياسية والشخصية. غطت هذه الأعمال على كل الإنتهاكات والإعتداءات التي مارستها القوى الأمنية بحق المواطنين العزّل، وساهم في ذلك بعض وسائل الإعلام حتى تلك التي تناصر هذه التحركات الشعبية. سرعان ما خرجت علينا من هذا الإعلام وزميله المناوىء للتحركات أيضاً مصطلحات «المندسون» و«المخرّبون». كما أسهمت هذه القنوات في الدعوة الى اعتقالهم والدلالة عليهم.
أكثر منذ لك، راح بعضهم يروّج أنّ هؤلاء المشاغبين ينتمون الى مناطق محددة سياسياً ومذهبياً. الفخ وقع فيه كثيرون في خلق الإلتباس بين مشاغب، وبين مواطن لديه عاداته في اللباس والتصرف وحتى التفكير وقد يكون أكثر من غيره يعاني جراء ظروفه معيشته وعيشه في أحزمة البؤس المجاورة للوسط التجاري الذي يضج بأغنى أغنياء لبنان والعالم. هذا الفخ تنبّه بعضهم إلى عدم الوقوع في شركه عبر الكف عن الحكم إجتماعياً وطبقياً على المتظاهرين واعتبارهم جزءاً من الطيف اللبناني الذي يشكل موزاييك باقي المشاركين الغاضبين. بعضهم الآخر أصرّ على الزج بهم واستخدامهم لمآربه السياسية الضيقة. مثلاً، أبرمت قناة mtv حكمها القضائي النهائي وأعلنت صراحة أن هؤلاء «لم يكن صعباً تمييزهم» كما تقول معدّة التقرير دنيز رحمة فخري في نشرة الأخبار المسائية أول من أمس. لم يصعب تمييز أنّهم «المخربون» بما أن ـ وفق فخري طبعاً- يتميزون عن باقي المتظاهرين السلميين «بلباسهم وتصرفاتهم وشعاراتهم». وقد استعرضت كاميرا المحطة لهذا الغرض مجموعة من الصور تداولتها المواقع الإلكترونية والإفتراضية على السواء لمجموعة شبان عراة الصدر وعلى أجسادهم أوشام دينية وحزبية. هؤلاء ــ كما يدعي التقرير ــ آتون من مناطق الباشورة وخندق الغميق وحيي اللجا، مستقلين 120 دراجة نارية صغيرة للتنقل. وقد علمت المحطة كما اوردت أنهم ينتمون الى «سرايا المقاومة». الأمر الأكثر سخرية هنا، القول إنّ هؤلاء «اعترفوا أنهم يؤيدون حزب الله». فعلاً، إنّها تهمة كبيرة ويجب أن تتم محاسبة أصحابها، كأن بقية المشاركين بعيدون عن التحزب والتأييد! وكما دأبت قناة «المرّ» دوماً على تسييس الأحداث، فقد أتاها اليوم على طبق من ذهب.
«المخربون» كما نعتتهم قناة «المستقبل» وسبقتها زميلتها mtv، مصطلح عاد الى أذهان اللبنانيين وكان يستخدم إبان الإحتلال الصهيوني للبنان مما يسمى «جيش لبنان الجنوبي» أو «ميليشيا لحد». كان هؤلاء يستخدمون هذا المصطلح عندما تتحدث إذاعتهم عن المقاومين في الجنوب اللبناني. القناة الزرقاء رأت في هؤلاء «المخربين» منفذاً جيداً لتمرير رسائلها السياسية. من أعمال الشغب، انطلق التقرير الإخباري (إعداد ربيع شنطف) في نشرة أخبارها أول من أمس، ليدخل الى تلميع أدوات السلطة القمعية أي القوى الأمنية وادعاء أنّ الأخيرة «اضطرت» لمكافحة الشغب «حماية للمواطنين» ولم تنس استخدام الصور نفسها المنشورة على حسابات الأمن الداخلي على فايسبوك وتويتر التي تبيّض صفحتهم الدموية من خلال صورة لأحد العناصر الأمنية وهو يقبّل مواطناً، وأخرى لطفل صغير يلهو بهراوة رجل أمن آخر. وفيما كانت otv تدخل منطقة خندق الغميق لتستطلع إن كان «المندسون» يقطنون فيها وتعود بشريط يؤكد أهمية المشاركة في هذه التظاهرات التي تبعد أمتاراً قليلة عن وسط بيروت كالبقية، حوّلت قناة «الجديد» أعمال الشغب التي حصلت في هذه المنطقة الى تقرير يحاكي أعمال شغب أضخم وأكثر دموية حصلت في العالم وفي أعتى الديمقراطيات لا سيما فرنسا وبلجيكا. تقرير أكّد أن «الثورة» لا تصنع بإنشاد الأغاني الثورية فقط.