عبر موقعها الإلكتروني، أصدرت مجموعة «اختيار لدراسات وبحوث النوع» مجلة نسوية تحمل اسمها وتصدر عن القاهرة. في هذا العدد الأول، تقدم المجلة نفسها كمساحة لتوثيق «التجارب الشخصية والمعرفة والأفكار والنظريات» من أجل تقديم اتجاهات نسوية متعددة. لا تقتصر هذه النسوية على المطالبة بحقوق المرأة، بل تحاول استخدام قراءات النوع لخلق أدوات مقاومة ضد أشكال القمع، فالنسوية المبتغاة هنا تفكك أشكال التمييز وتتنافى مع الأنظمة الشمولية.
تفتتح العدد الباحثة سارة سالم بمقال عن التضامن النسوي حيث تطرح نظرية التقاطع النسوية التي ظهرت في الولايات المتحدة خلال ثمانينيات القرن الماضي. وكانت هذه النظرية قد جاءت كتفكيك لهيمنة المرأة البيضاء على النسوية وتعريفاتها وسياقاتها. استخدمت المحامية الأفرو-أميركية كمبرلي كرينشو «التقاطعية» لهدم المصنف المطلق (النساء) على اعتبار أن تجارب الكثير من النساء تتشكل بتقاطعات أخرى إلى جانب النوع مثل العرق والجنسانية والطبقة. من الأمثلة الصارخة التي استخدمتها كرينشو في شرح التقاطعية هي قرارات المحاكم الأميركية التي تبين اختلاف توجهات النظام القضائي تجاه النساء حسب العرق، فمغتصب المرأة البيضاء يحصل على ضعف العقوبة التي قد يتحصلها عن اغتصاب امرأة سوداء. هذا يعني أن تجربة المرأة مع النظام القضائي مثلاً تتشكل بتقاطع الجندر بمصنفات أخرى.
وتقدم سالم في مقالها مختصراً عن تاريخ النسوية وأفكار التضامن النسوي. تتطرق إلى موجات النسوية وهيمنة «النسوية الاستعمارية» في الغرب. ويأتي استغلال الولايات المتحدة لـ «معاناة النساء الأفغانيات» كمثال شهير على محاولات الامبريالية لإنقاذ نساء العالم الثالث.

يأتي استغلال الولايات
المتحدة لـ «معاناة الأفغانيات» كمثال على محاولات الامبريالية لإنقاذ نساء العالم الثالث

كما تتطرق سالم إلى أن هذه النسوية تتخذ أشكالاً محلية في السياق المصري مثلاً حينما تقوم نساء الطبقات العليا بالحديث بالنيابة عن النساء كأن تجاربهن وأهدافهن واحدة.
وفي مقال «النسوية كخطاب اجتماعي»، يناقش تامر موافي النوع والجسد والمجتمع متخذاً من مسألة إزالة شعر الجسم للمرأة مثالاً محورياً. ويقرأ موافي التناقض السائد بين فكرتي «النوع البيولوجي» والنوع باعتباره استعراضاً تقليدياً للأنوثة أو الذكورة. كما تناقش المقالة التحليل النفسي الذي يرى في الانسان منتجاً لسياقه الاجتماعي ليلغي بذلك إرادة الذات. ويرى موافي بأن النسوية «تسوق لنسخة من الحقيقة بدلاً من تحريرها» لأن عليها السعي للتحرر من ثنائية النوع.
ويحتوي العدد على مقالتين في النسوية الإسلامية. هكذا، تقدم فاطمة إمام سكوري لمحة عن تاريخ نشأة النسوية الإسلامية. وتعرف سكوري النسوية الاسلامية باعتبارها «رداً على الهيمنة الذكورية للمنتجات الدينية والاستخدام الأبوي للدين للتحكم بحياة المرأة» بخاصة بعد ظهور الاسلام السياسي تحت نظام الجمهورية الاسلامية في ايران وخلال الحرب الأهلية في الجزائر. وتشير الكاتبة إلى أن النسوية الاسلامية هي «نضال المرأة المسلمة لإنهاء قرون من التجانس الذكوري لإنتاج معارف دينية».
وتتعرض النسوية الإسلامية لانتقادات عدة بينها أنها ليست إلا فكرة غربية توافقية بينما يحاول آخرون تحجيمها باعتبارها حركة تخص مسلمي المهجر ولا تخاطب المرأة المسلمة بشكل عام إلا أنها في الحقيقة «جهاد من أجل النوع الاجتماعي» حسب تعريف سكوري. أما في مقال «النسوية الاسلامية والحوكمة الاسلامية»، فتتطرق يارا سلام لاحتمالات التضامن النسوي بين النسوية الاسلامية والعلمانية في المثال المصري، فتطرح أسئلة حول دور النسوية الاسلامية في تشكيل آراء الاسلام السياسي عن قضايا المرأة.
وفي باب آخر من المجلة، نجد شهادات شخصية كتبت بالعامية والفصحى بأسماء مستعارة حيث يحكي أصحابها عن محاولاتهم في قراءة الجسد والرغبة. يكتب «محمود» عن لقاءاته العابرة مع سائقي التاكسي وأشكال التفاوض الجسدية واللفظية التي تحدث بينه وبين الآخرين من أجل خوض تجربة جنسية مشتركة. ثم نقرأ شهادة أخرى بصوت امرأة تستكشف جسدها أمام المرأة لتتصارع بين فضولها ومشاعر الخجل والعار. على هامش هذه الشهادات الشخصية، نجد رسومات جسدية صغيرة تتماهى مع محاولات البوح.
أما في دور النوع في السياق الاقتصادي، فتناقش ماسة أمير نظرية «التسرب التدريجي» والحياد الجندري لتستنتج أن سياسات الدولة لا يمكن أن تتصف بالعدالة من دون اعتبار النوع الاجتماعي. وتناقش الكاتبة هذه الفكرة من خلال المثال المصري حيث يتم تصوير أي حقوق معطاة للمواطنين باعتبارها مكتسبات تشمل المرأة بشكل تلقائي. وتستخدم دعاء عبد العال نظام الكوتا في مقالها لتخوض في شرح النسوية كمنظور فكري، وآخر كعمل تنظيمي حيث ينتقد «التحليل النسوي» الديمقراطية التمثيلية والنتائج المحدودة لتضمين المرأة في هياكل القوة. إلا أن بعضهم يجد في الكوتا تحدياً للفكرة المفترضة عن أن المجال العام مكان طبيعي للرجال.
ويقدم العدد نظرية أخرى في فهم النوع الاجتماعي وهي «السايبورج» التي استخدمتها الأميركية دونا هاراوي لخلخلة النظام الثنائي الاجتماعي. تقوم هاراوي بمحاولة لقراءة الإنسان باعتباره كائناً آلياً، لتستخدم هذا الهجين «في تشويه حدود الانسان والآلة» من أجل تحدي حدود الجسد والطبيعة المفترضة لفكرة الانسانية. بذلك، تصبح «السايبورج» مساءلة ثورية للنسوية التقليدية في تأكيدها وارتكازها إلى الهوية. وفي نهاية المجلة، تختتم نوارة بلال العدد الأول بقراءة مغايرة للنظام الأمومي كطريق محتملة للتحرر من القهر الثنائي.
بلا شك، تأتي مجلة «اختيار» لتسد فجوة في السياقات المعرفية العربية التي كثيراً ما تقتصر على النسوية المرتبطة بخطابات الدولة والتحررية الغربية وبرامج الإنماء الدولية. في عدد واحد، تحاول المجلة تعريف القارئ العربي إلى أهم النظريات النسوية المغايرة في النقاشات الأكاديمية الغربية القائمة على تجاوز التصنيف الأحادي للنساء كمجموعة واحدة لا تتشكل وتتفرق بسياقاتها الاجتماعية والسياسية.
ikhtyar.org