سبق أن تجرّأ المخرج السوري الشاب جود سعيد على اقتحام عالم مكتمل ظلّ طيّ الكتمان لفترة طويلة، أي العلاقات السورية اللبنانية وفترة الوصاية طويلة الأمد. يومها، قدّم في فيلمه «مرّة أخرى» (2009) حكاية ضابط سوري متنفذ كان يعيش في لبنان. بعد ذلك، قررت بعض المسلسلات الإضاءة على تبعات تلك المرحلة الحساسة وما تلاها من كوارث على العلاقات بين الشعبين الشقيقين.
لكن الوجود السوري الذي استمر عقوداً طويلة، وما نجم عنه من ردود فعل عنصرية تجاه عمّال سوريين لا يملكون من أمرهم شيئاً، ومن ثم النزوح الكثيف إلى لبنان هرباً من الحرب المستعرة... كل ذلك خلق ما يشبه التربة الخصبة لتصنيع حكايات تجابه الواقع بطريقة حقيقية. هكذا، اختارت المخرجة اللبنانية صوفي بطرس أن تكون تجربتها السينمائية الروائية الأولى متكئة على هذه الحيثية، بعدما أنجزت النص بشراكة زميلتها الأردنية نادية عليوات.
على الرغم من الميزانية المحدودة، تمكّنت بطرس التي عرفناها مصوّرةً ومخرجة كليبات، من استقطاب نجوم سوريين ولبنانيين لتأدية أدوار البطولة في فيلمها على رأسهم بسّام كوسا ونادين خوري وجوليا قصار. هكذا، دارت كاميرتها في بلدة ضهور الشوير (قضاء المتن) ذات الطبيعة الخلابة، وأنجزت مشاهد «محبس» الذي تجري حالياً عملياته الفنية بالتعاون مع المخرج الأردني فادي حداد، على أن يكون جاهزاً لطرحه في الصالات خلال الفترة القريبة.

يشارك في الفيلم بسّام كوسا ونادين خوري وجوليا قصار
من اسم الفيلم، يبدو واضحاً أنه ينطلق من فكرة الخطوبة والزواج والارتباط الأزلي الذي يشبه بشكل من الأشكال علاقة البلدين الشقيقين اللذين لا يمكن أياً منهما أن يتخلّى عن الثاني، مع وجود سيطرة واضحة لأحدهما على الآخر خلال فترة طويلة وبطريقة تشبه الحبس! ورغم تستّر صنّاع الشريط على حكاية الفيلم، إلا أننا عرفنا أن القصة تبدأ من بلد خليجي، طارحةً علاقة حب تجمع شاباً سورياً بفتاة لبنانية كانت قد فقدت شقيقها أثناء الوجود السوري في لبنان. ترك الحادث حقداً كبيراً في نفس والدتها تجاه السوريين في الإجمال، وهو أمر يجعل الفتاة تتروى وتتردد في إخبار والدتها بقصة حبها، وتختار أن يكون والدها إلى جانبها، فتضعه في الصورة. يطلب منها الوالد أن تعقد خطوبتها قبل عودتها إلى لبنان، على أن تضع أمّها تحت الأمر الواقع، وهو ما يحصل بالفعل. ولدى وصول الطائرة إلى مطار بيروت، تكون العائلتان في انتظار العروسين من دون أن تعرف والدة الفتاة بخبر خطوبتها من شاب سوري. لكن بمجرد أن تسمع الفتاة لهجة صهرها حتى تنفر منه وتبني سدوداً مسبقة معه. تبدأ بعد ذلك المفارقات التي تبنى عليها القصة، وتكون بمثابة جردة حساب طويلة ربما للعلاقة بين البلدين بأسلوب منطقي وبحوار هادئ ورصين لا يفتقد التشويق والتصعيد الدرامي اللازمين لبناء مشهدية سينمائية موفقة. في حديثه معنا، يصرّح بطل الفيلم بسام كوسا بأنه لم يجد خلال السنوات الماضية مساحةً لتقديم تجارب تستحق مواكبتها بنظرة نقدية متأملة. لكن نصّ الفيلم كسر السائد ونال إعجابه ودفعه إلى أن يكون ضمن فريقه. وعن هذه التجربة، يعلّق بطل «ضبوا الشناتي»: « بالنسبة إليّ، هذا الشريط هو تجربة نبيلة دعوني إليها أشخاص نُبلاء، وأرجو أن تكون النتائج كما هو مرجوّ، لأن ما بُذل فيه جهد، كان جديراً بالاحترام».