«من هنا تبدأ القصة»، بهذه العبارة يستهل جاد أبو جودة مراسل otv تقريره يوم الإثنين الماضي تحت عنوان «كيف ردت الكنيسة على أسعد ذبيان؟». تقرير يسوده الإرتباك بما أنه بدأ بعرض مقتطفات من شريط قصير صوّره الناشط أسعد ذبيان وفيه ينتقد العماد ميشال عون على الإزدواجية التي يمارسها بين تبنيه لدولة علمانية، وترداده الدائم لمعزوفة «حقوق المسيحيين». وصف أبو جودة هذا النقد بـ «الهجوم اللا أخلاقي على العماد عون، والتمادي في استهداف رموز التيار».
ينطلق المراسل الشاب من هذا الحكم ليعلن أنّ هذا الانتقاد لعون ولتياره هو الذي دفع بالناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي إلى «التحري عن هذا الشخص» أي ذبيان، و«كانت المفاجأة الكبرى» كما يردف. إذاً، ينطلق التقرير من نقد عون وتياره (وربما هذا الأمر أيضاً مسّ بالذات) ليدخل الى المعمعة التي اصطنعها موقع «تيار دوت أورغ» الإلكتروني عبر عنونة اكتشافه العظيم: «سقط القناع أسعد ذبيان يسيء للدين المسيحي» وفيه تعليق لفريق Omega team» الذي كلف نفسه التحري والاستقصاء ليخرج بصور لمنشورات ذبيان على صفحته الفايسبوكية الشخصية يتناول فيها رموزاً وقيماً مسيحية وإسلامية بالسخرية سماها بعضهم «إزدراء» وعلق عليها الـ Omega team بالقول: «عَيِّنَة عن ثقافة قواد الثورة المزيفة التي لا تتمايز بالعداء للمسيحيين بشيء عن دواعش الخارج».
قد ينصب الجدل في هذه القصة على أحقية أو عدم أحقية نبش منشورات فايسبوكية لذبيان تعود مدتها لأكثر من عام، وأحقية الأخذ والرد وربما التململ من مضمون ما نشره، لكن أن يتحول هذا الخبر الى حملة الكترونية غير مسبوقة ضد ذبيان قوامها التشهير وحتى التحقير، فهذا يضعه في خانة الاستفهام. أكثر من ذلك، ذهبت المعركة البرتقالية الى الشاشة، فاستهلت otv يوم الإثنين الماضي نشرتها الإخبارية بالتقرير المذكور فاتحة معركة مع شخص قال إن ما كتبه يقع في خانة المزاح، بينما تحاول القناة ومتفرعاتها الإلكترونية شدّ العصب والتجييش الطائفي لدى فئة معينة من اللبنانيين. في التقرير، استخدمت القناة أيضاً سلاح السلطة الدينية وانتقت رئيس «مركز الإعلام الكاثوليكي» الأب عبدو ابو كسم (المعروف بمواقفه المتشددة). أبو كسم دعا من خلال هذه المقابلة «المسيحيين الملتزمين» إلى معرفة «ورا مين ماشيين». وبعد تعرض الأب أبو كسم لذبيان بالشخصي «هو طالعة ريحته قبل غيرو»، وبعد تأكيده على أن «المسيحيين ليسوا ممسحة»، انتقل الى التلويح القانوني بتقديم كتاب الى المدعي العام بواسطة المركز يقدمه «نواب وإعلاميون مسيحيون» بحق ذبيان. لم تقف الحملة هنا، بل ذهبت الى القضاء مع تقديم المحاميين شربل سمعان والياس عقل إخباراً لدى النيابة العامة التمييزية بجنح «التجديف وتحقير الشعائر الدينية إستناداً الى المادتين 473 و474 من قانون العقوبات اللبناني». مقابل هذه الحملات، صدر بيان مشترك لثلاث جمعيات تعنى بالدفاع عن حرية التعبير «مهارات»، «مارش» و«سكايز» أدان حملات التشهير بحق الناشط اللبناني وربطها ببروز ذبيان الى المجال العام عبر حملة «طلعت ريحتكم». البيان أكدّ على أن التعليقات تمثل «رأياً شخصياً ولا تتضمن أي تحريض أو حث على الكراهية أو إزدراء الأديان». وعلمت «الأخبار» أنّ ذبيان الغائب عن الأحاديث الإعلامية هذه الأيام، أوكل 4 محامين لمتابعة الدعاوى التي ترفع ضده وآخرها من القواتي دافيد عيسى.
في المشهدية إذاً، تتجلى المراهقة الإعلامية التي يمثلها الإعلام البرتقالي بكل متفرعاته الإلكترونية والمرئية والمسموعة في تحويل منشورات فايسبوكية تعبرّ عن رأي شخصي الى معركة تشهير وتحريض وحتى تحليل دم. ليس جديداً على هذا الإعلام الذي امتهن هذه اللعبة لشد العصب لا سيما عند الجمهور المسيحي وكلنا يذكر شماعة «داعش» وكيف استخدمها الإعلام البرتقالي للتهويل والتخويف بغية استقطاب جماهيري أوسع، فإذا به يمارس «الدوعشة» على كل من يخالفه الرأي.