اختارت هيئة التنسيق النقابية 9 أيلول الجاري موعداً للإضراب والاعتصام لتقول، بحسب بعض قادتها، إنها قررت أن تكون جزءاً من الحراك الشعبي. لكن كيف يكون ذلك إذا كانت الهيئة قد حددت وجهة التحرك نحو المطالبة بإدراج القضايا الحياتية والاقتصادية والخدمات العامة، وفي مقدّمها سلسلة الرتب والرواتب، على طاولة الحوار الوطني، أي بما يتعارض مع موقف الحراك الذي اعتبر الدعوة الى طاولة الحوار الجواب الاكثر خطورة على مطالب الناس ومحاولة لتوحيد قوى السلطة في مواجهة الشارع؟
إلى ذلك، لم تحدد الهيئة مكان الاعتصام، والسبب أنّها تترقب، كما قال رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض لـ «الأخبار»، جواب الجمعيات العمومية على توصيتها لتبني على الشي مقتضاه.
الهيئة التي يشكو قادتها من عدم انفتاح منظمي الحراك عليهم وتفرّد هؤلاء بعناوين وممارسات تحرف الحراك عن مساره، دعت في مؤتمر صحافي عقدته أمس إلى الالتزام بالسلمية وعدم التعرض للمؤسسات والإدارات العامة والممتلكات الخاصة والقوى الأمنية، مطالبة بإطلاق المعتقلين من غير مثيري الشغب ممن لم يثبت عليهم قضائياً تورطهم في التعدي على المنشآت العامة والخاصة.
لكن العقبة الأبرز بالنسبة إلى انخراط الهيئة في التحرك هو هيمنة التوافق الحزبي والتحالفات المليّة على تركيبتها. فالطلب من جمهور الأحزاب الانتفاضة على زعمائهم في السلطة السياسية لا يزال هدفاً يحاكي الخيال، أو هذا على الأقل ما تظهره مواقف أعضاء بعض مكونات الهيئة؛ فعضو الهيئة الإدارية في رابطة موظفي الإدارة العامة سلام يونس (حركة أمل) ترى أنّه «ليس من مصلحة الرابطة التي تضم أشخاصاً من 8 و14 آذار أن تشارك في التحرك، والواقع مفتوح على كل الاحتمالات، ونحن تابعون لأحزاب، لا نستطيع أن ندخل في حملة لا تزال في أوّلها ولا نعرف ما هي معالمها ومن يقودها ومن يحرّكها ومن يموّلها، ولاحقين نركب الموجة». كذلك فإنّ عضو رابطة التعليم الأساسي الرسمي بهاء تدمري (تيار المستقبل) يضع علامات استفهام بشأن توقيت تحرّك الناس في الشارع قائلاً: «من حقي أن أسأل من يصرف على هؤلاء الشباب، لماذا لم ينضم المجتمع المدني إلى حراك هيئة التنسيق النقابية عندما طلبنا منه ذلك؟». برأي تدمري، «النتيجة المخيبة للآمال من حراك السلسلة سببها عدم نزول هذا المجتمع نفسه معنا إلى الشارع»، مشيراً إلى أننا «تركنا وحيدين في معركة لم نطالب فيها بتحسين أجورنا فحسب، بل سلطنا الضوء على السمسرات والفساد الإداري والمالي».

تكوين معارضات
داخل النقابات والاتحادات تواكب الحراك


بالنسبة إلى مقرر فرع جبل لبنان في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي ميشال الدويهي (التيار الوطني الحر)، فإنّ جزءاً كبيراً من الحراك يجري بأمر من السفارة الأميركية وليست له ضوابط واضحة، بغض النظر عن مطالبه المحقة. برأيه، خطأ الحراك هو وضع المسؤولين في خانة واحدة وعدم التدليل بالأصبع على الفاسدين والمقصرين. يقول الدويهي إنه «لا يمكن أن يقود ثورتنا مراهقون في العمل النقابي والجماهيري».
على المقلب الآخر، يحدو البعض الأمل بتغيير «نظام مكربج»، كما يقول الموظف في ديوان المحاسبة فؤاد خريزات، مشيراً إلى أننا «أمام سلطة ما بدها تشوف ولا تسمع». يتطلع خريزات إلى أن «يخرجنا هذا التحرك اللاطائفي والسلمي من هذه الصورة القاتمة ويقودنا إلى أداء وسلوك سياسي مختلف». يستدرك: «لسنا متأملين كثيراً، بس خلينا نجرّب ليش لأ؟». الموظف في وزارة الصناعة ديب هاشم يرى أنّ موقف هيئة التنسيق النقابية من تحرك يرفع قضايا مطلبية «خطيئة لا خطأ فحسب».
الرهان هو على تكوين حركة نقابية مستقلة من النقابات الفعلية والاتحادات القطاعية، أو ما يعبّر عنه ممثل الاتحاد الدولي للخدمات العامة غسان صليبي بـ«المعارضات النقابية». يبدو الباحث النقابي مقتنعاً بأنّ الظروف الموضوعية للحراك الحالي، على تنوّع مكوّناته، تسمح بالتحدث بلغة جديدة. ويشرح أن السبب الرئيسي لغياب الحراك النقابي في الفترة السابقة هو انعدام وجود حراك سياسي معارض، فيما اليوم يمكن التماهي مع العناوين التي يرفعها الحراك، مثل بناء الدولة المدنية الديموقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والمحاصصات الطائفية، فهذه المطالب في ما لو تحققت تنسحب على النقابات وتريحها. لا ينتظر صليبي أن تأتي هذه المبادرة من القيادات النقابية غير القادرة على التفلت من الهيمنة الحزبية، بل من بعض النقابيين الأحرار والمستقلين المتضررين في كل نقابة. يحيل صليبي الناشطين النقابيين إلى ما حصل في مصر والأردن وتونس، حيث واكب الحراك المعارض حراك نقابي وجرى تأسيس نقابات واتحادات مستقلة.