على مدى أربع ساعات، التقى خصوم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مبنى مقابل للسفارة الفلسطينية في بيروت. للمرة الأولى يُعقد لقاء رسمي في العاصمة اللبنانية بين حركة المقاومة الاسلامية (حماس) ومحسوبين على القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، وقد تشعّب البحث فيه من أمن مخيم عين الحلوة الى وضع خطة عمل لمنع عباس من إحكام سيطرته على منظمة التحرير الفلسطينية.
اللقاء الذي روّج «الدحلانيون» له حضره عن «حماس» القياديون موسى أبو مرزوق وأسامة حمدان وعلي بركة، وعن الطرف الآخر سمير مشهراوي (اليد اليمنى لدحلان) وخالد غزال وإدوار كتورة، والقائد السابق للكفاح المسلح محمود عيسى (اللينو).
ما الذي «لمّ الشامي على المغربي»؟
يقول أحد الحاضرين لـ«الأخبار» إن أمن المخيم الفلسطيني الأكبر في لبنان، و«الخوف من تكرار سيناريو مخيم اليرموك بما يشتت أبناء المخيم»، يفرضان على «حماس» مثل هذا التواصل، «خصوصاً أن لدحلان أنصاراً بين ضباط فتح»، بعدما كان الأمر يقتصر سابقاً على فتح.
ضرب الإسلاميين في المخيم كان نقطة الخلاف بين الحاضرين، إذ رأى «اللينو» أن الحل الأفضل لمشكلة المخيم هو القضاء على هؤلاء لكي لا تتكرر المواجهة معهم، فيما حذّر الوفد الحمساوي من مثل هذا التوجه، معرباً عن خشيته من سيناريو أميركي لتصفية وجود اللاجئين في لبنان وشطب حق العودة، خصوصاً أنه لم يبق في لبنان سوى «180 ألف فلسطيني يعيشون في المخيمات، ما يتيح استيعابهم في أي مكان». واستدلّ الوفد على هذا التوجه بمؤشرات عدة، منها نية المجتمع الدولي إلغاء عمل وكالة «أونروا» وتحويل الأموال التي كانت تخصص لها الى حكومات الدول التي يسكن فيها اللاجئون لتسيير أمورهم، ما يعني شطب حق العودة. وأوضحت المصادر أنه «لطالما عانت الوكالة الدولية من عجز في ميزانيتها، لكنها المرة الأولى التي تعلن فيها الأمر. وهي تذرّعت بهذا العجز لاتخاذ خطوات إجرائية مثل وقف تقديم بعض الخدمات والتهديد بتقليص عدد مدارسها ووقف برامج المساعدات المالية للاجئين».
وشرح الحمساويون وجهة نظرهم ممّا يجري في عين الحلوة، بأن أطرافاً خارجية «تسعى الى افتعال الاشكالات بين الفصائل. وبعدما فشل سيناريو توريط المخيم مع محيطه ومع الجيش اللبناني خلال أحداث عبرا، تحاول الأطراف نفسها اليوم تفجير المخيم من الداخل».
بعد تقديم هذه الحيثيات، استطاع المجتمعون، بحسب المصادر، إقناع «اللينو» بـ«تسهيل عمل القيادات الفلسطينية للحفاظ على التهدئة». لكن الأخير انتقد تصرف الفصائل وتحميلها حركة فتح مسؤولية التصعيد بعد كل ردّ فعل تقوم به إثر اغتيال أحد قياداتها. وقد أبدى «الدحلانيون»، رغم خلافهم مع عباس، حرصهم على فتح، مؤكدين أنهم سيمنعون استهداف ضباطها، لأن ذلك سيضعف الحركة في المخيم.
لم يكن عين الحلوة موضوع البحث الوحيد بين الوفدين اللذين تطرقا الى الوضع الفلسطيني العام، خصوصاً دعوة عباس المجلس الوطني الى الانعقاد لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير، قبل أن يلغي الدعوة تحت ضغط الفصائل الفلسطينية. وقال أحد الحاضرين إنه «كان هناك اتفاق على أن هدف عباس لا ينحصر في تطيير جماعة دحلان وإحكام السيطرة على اللجنة التنفيذية للمنظمة فحسب، بل ضرب فتح والمجيء بقيادات معروفة بتنسيقها الأمني مع إسرائيل».
وعلمت «الأخبار» أن مشهراوي التقى في بيروت أيضاً الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح وبحث معه في المواضيع نفسها. وتم الاتفاق على السعي الى عقد اجتماع للإطار القيادي الموحد «المؤقت» لمنظمة التحرير في القاهرة، وهو ما ترفضه مصر في الوقت الحالي. واختتم مشهراوي زيارته للبنان بلقاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وأكد له رفض جرّ المخيم الى أي مواجهة قد تؤثر على استقرار لبنان. وقال أحد مسؤولي فصائل تحالف القوى الفلسطينية إن «جماعة دحلان في لبنان لا يريدون المواجهة مع أحد ويعملون على أساس أنهم القوى الحافظة للأمن في المخيمات، في رسالة منهم الى عباس بأن من يتهمهم باستهداف أمن المخيمات وتفتيت فتح هم من يعملون على حفظه والحفاظ على هيبة الحركة».