لطالما اشار كثيرون الى المانيا على أنها بلاد عنصرية ومضطهدة للعنصر الأجنبي. ولطالما حكى كثيرون عن فظاظة الشعب الألماني غير الودود مع زائري بلاده. لكن الواقع ومن خلال كرة القدم تحديداً اثبت الالمان العكس في كل مناسبةٍ كبيرة وعالمية.البداية طبعاً كانت في مطلع الألفية الجديدة عندما اعطت المانيا درساً لأوروبا وحول احتضان أبناء المهاجرين، فاختلطت الاتنيات والالوان في المنتخبات الالمانية بمختلف فئاتها، فلم تعد التفرقة موجودة بين ابناء البلاد الاصليين واولئك الذين ولدوا من ابوين وافدين من الخارج للعيش في ظروف افضل في المانيا.

تقبّل الالمان لأول لاعب اسمر وهو جيرالد اسامواه الذي كان في عداد المنتخب الذي حلّ وصيفاً في مونديال 2002، ثم وقوفهم خلف جيروم بواتنغ ومسعود اوزيل وغيرهم ممن اختاروا الدفاع عن الوان البلاد التي صقلتهم كروياً، طبعت نجمة رابعة على قميص «المانشافت»، ورسمت صورة مغايرة عن الالمان في اذهان كل من اتهمهم سابقاً بالتفرقة العرقية.
اليوم تؤكد الكرة الالمانية من جديد ارتباطها بالجانب الانساني كما هي الحال رياضياً. فمع الصور المرعبة والمخزية التي نقلتها وسائل الاعلام الاوروبية عن الاضطهاد الذي عرفه اللاجئون على حدودٍ كثيرة، أطلت صورة جميلة من ملاعب كرة القدم الالمانية التي واكبت الترحيب الذي لقيه الهاربون من الموت الى البلاد.

استقبل دورتموند
لاجئين اكثر مما استقبلته الحكومة البريطانية!



وفي الوقت الذي ضاعت فيه الحكومات الاوروبية في ايجاد الاجوبة حول مآسي اللاجئين، كانت اندية «البوندسليغا» تسير مع التيار الشعبوي الذي ساعد الوافدين، وتجتمع على هدفٍ واحد يتمحور حول مساعدتهم ودمجهم في مجتمعها. اما الجميل في الأمر فان هذه الاندية وجمهورها اثبتوا مرة جديدة بأن شغفهم الدائم هو الرياضة بعيداً من عالم «البيزنس» الذي غزا كرة القدم، بحيث خصّصت الاندية مبالغ بالملايين لمساعدة اللاجئين الذين باتوا قضية بالنسبة اليها حالياً.
واللافت أيضاً هو انغماس المجتمع الكروي برمّته في هذه المسألة التي ضجّ بها العالم، بحيث كانت صحيفة «بيلد» الرياضية الواسعة الانتشار قد اطلقت حملة مساعدة اللاجئين وانخرطت بها سريعاً الاندية والمنتخب على حدٍّ سواء. كذلك، حتى رعاة «البوندسليغا» لم يمانعوا التنازل عن حقوقٍ معيّنة بغية توجيه الرأي العام نحو القضية، على غرار ما سيحصل في نهاية الاسبوع حيث تقرر أن يضع لاعبو الأندية الـ 36 في الدرجتين الأولى والثانية عبارة «مرحباً باللاجئين» على أكمام قمصانهم، وذلك ضمن حملة «نحن نساعد» التي أطلقتها «بيلد».
وكما هو معلوم فإن هذه المساحة الإعلانية على القمصان مخصصة لمجموعة «هيرمس»، وهي احدى الشركاء الاساسيين لرابطة الدوري الألماني، لكنها تنازلت عن حقها في وضع إعلانها على أكمام القمصان ابتداءً من الليلة وحتى مساء الاحد لمصلحة شعار الحملة.
صحيفة «ذا إندبندنت» كانت قد اختصرت كل شيء في ما خصّ تحوّل ملاعب «البوندسليغا» الى ارض الانسانية، بحيث اشارت الى دعوة بوروسيا دورتموند 220 لاجئاً لحضور مباراة له في ملعب «سيغنال إيدونا بارك» تحت عنوان حملة «الوصول الى دورتموند». والعدد هذا كان في أواخر آب المقبل اكثر من عدد اللاجئين الذين وافقت الحكومة البريطانية على استقبالهم على أراضيها!
«اهلاً وسهلاً باللاجئين» لم يكن مجرد شعارٍ رفعته الجماهير الالمانية في مختلف المدرجات بل كان واقعاً ترجمته انديتها على ارض الملعب وخارجه، على غرار ما فعل بايرن ميونيخ من خلال تخصيص مليون يورو لمساعدة اللاجئين واقامة معسكرات تدريبية لأولادهم الذين دخل بعضهم الى الملعب مع نجوم الفريق، بينما ذهب شالكه الى ابتكار ما سُمّي «صندوق الاصدقاء» للتبرع بالاكل والالعاب.
كثيرة هي الامثلة على الانسانية الموجودة في الكرة الالمانية، والأكيد انها لن تحل المشكلة العالمية الواقعة حالياً، لكنها توفد رسالةً عظيمة بأن عالم الملايين يمكن ان يكون في خدمة البشرية أيضاً، ومن يدري ربما النجم المقبل للبطولة الالمانية ومنتخبها قد يكون في احد مخيمات البؤس.