قبل وقوف هيئة المحكمة إيذاناً بالمغادرة، هزّ الموقوف محمود بزي، الشهير بـ«محمود أنيسة»، إصبعه في وجه القاضي وخاطبه بصوتٍ مرتفع: «أعرفك جيداً. أنت قاضٍ، فاحكم بالعدل ولا تظلمني». فأجاب رئيس المحكمة العسكرية العميد خليل ابراهيم: «أخفِض إصبعك. أنا لا ظلم أحداً».
قبل ذلك، استُعيدت حقبة تاريخية تردّدت فيها أسماء عملاء أذاقوا الجنوبيين المرّ تحت الاحتلال، من حسين عبد النبي، إلى «الجلبوط» وسعد حداد وغيرهم. ولكن، لماذا تفتح المحكمة العسكرية قضية عمرها ٣٦ عاماً؟ الإجابة عن هذا السؤال تكشّفت في طيات جلسة محاكمة بزي، الستيني الذي غادر إلى الولايات المتحدة من إسرائيل، قبل أن يُرحّل السنة الماضية.
رقم جلسة محاكمة بزي ٨٠، على جدول الجلسات، والجرم المحدد «خطف وقتل جنود إيرلنديين عام ١٩٧٩»، أي بعد مرور ٣٦ عاماً على وقوعها وسقوط دعوى الحق العام بمرور الزمن.

رحلة الهروب من إسرائيل الى الولايات المتحدة... فالترحيل الى لبنان
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أنّ الحكومة الإيرلندية بدأت تلاحق القضية منذ عام ٢٠٠٥، إثر توقيف أحد العملاء جورج مخّول الذي أتى خلال التحقيق على ذكر بزي، المسؤول الأمني في جيش لبنان الجنوبي عن بلدتي عيناثا وكونين، بوصفه متورطاً في قتل جنود إيرلنديين انتقاماً لشقيقه الذي قتله أحد عناصر قوات الطوارئ أثناء تظاهرة في بلدة الطيري. مخّول تحوّل شاهداً في القضية في ما بعد. إذ فور علم الحكومة الإيرلندية بمضمون إفادة مخّول، بدأت باقتفاء أثر بزي الذي غادر إسرائيل إلى الولايات المتحدة. حُرّكت القضية هناك، فحقق ضباط من «أف بي آي» وضباط إيرلنديون مع العميل الفار الذي اتّهم الإسرائيليين بتصفية الجنود الإيرلنديين، وادّعى بأنه اعترف أمام وسائل الإعلام بالجريمة حينها بعد تهديده من سعد حدّاد والجلبوط. لم يرقْ ذلك الإسرائيليين الذين فتّشوا في سجلات بزي ليكتشفوا أنّه دخل أميركا بجواز سفر مزوّر. سرّبوا الأمر للأميركيين الذين رحّلوه إلى لبنان موقوفاً. وبحسب المعلومات، أبلغت الخارجية الإيرلندية الخارجية اللبنانية بالأمر، فتحرّك المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، طالباً إيلاء القضية الاهتمام اللازم. هكذا، بعد ٣٦ عاماً، لم يمت ميّت الإيرلنديين. وقد كشف رئيس المحكمة أن الحكومة الإيرلندية بصدد إرسال أحد الجنود الذين أصيبوا في الحادثة بصفة شاهد. خلال الجلسة، حلف المتّهم أيماناً معظّمة بأنّه بريء. وأُرجئت المحاكمة إلى ٢٥ تشرين الثاني لاستدعاء جندي إيرلندي وصحافي أميركي بصفة شاهدين.
وسبقت جلسة «محمود أنيسة» جلسات عدة، أبرزها محاكمة عسكريين بجرم «اختلاق قسائم محروقات وهمية» لاختلاس ثمن المحروقات. وقد انهار أحد الشهود في هذه القضية وسقط أرضاً. واستمع ابراهيم إلى إفادة الموقوف حسين المصري المتهم بقتل أربعة عسكريين ومحاولة قتل ضابط أثناء أحداث حي الشراونة في بعلبك، علماً بأن دوره كان مراقبة دوريات الجيش بناء على طلب من حسن وحسين عباس جعفر اللذين أرادا الانتقام من الجيش لمقتل شقيقهما.