في وقت يعود الحجاج إلى بلادهم إثر انتهاء موسم الحج، يبدو أنّ بعض الإعلام اللبناني بدأت عنده مناسك الحج إلى السفارة السعودية في لبنان. في أقل من أسبوع، حفلت قنوات mtv، و«المستقبل»، و«الجديد»، وotv باستضافة السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري، في خطوة لافتة للردّ على الاتهامات الإيرانية للمملكة على خلفية فاجعة منى التي ذهب ضحيتها أكثر من 800 حج، ولتلميع صورة المملكة.
هذه الخطوة تعيدنا إلى أوّل أيّام العدوان السعودي على اليمن في آذار (مارس) الماضي. وقتها، جُنّدت هذه القنوات بهدف حرف الأنظار عمّا يجري وكتم الأصوات المناهضة للعدوان، حتى أنّ بعضها هُدّد بوقف التمويل عنه. كلّنا يذكر تغييب خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» عن هذه الشاشات، الأمر الذي كان له يومها دلالات واضحة حول السير نحو التعتيم والتصفيق لآلة العدوان السعودية.
اليوم، وبعد حادثة منى وصعود الخطابات العالية النبرة بين إيران والمملكة، ارتأى السفير السعودي في بيروت استدعاء منابر لبنانية لإيصال رسائل عدّة باتجاه إيران و«حزب الله»، بعدما فعل ذلك عبر مؤسسات إعلامية خليجية مختلفة.
خطّ عسيري مانيفستو موّحد تلاه على المحطات اللبنانية المذكورة، ولم يعبأ ربّما بنوعية السؤال المطروح عليه لانشغاله بتلاوة هذا البيان. مفاد هذا المانيفستو أنّ السعودية دولة «ذات سيادة» ولن تقبل بإشراك بلدان أخرى في التحقيق في فاجعة «منى»، وأنّ من شأن التصريحات الإيرانية الحادّة «زيادة التوتر السني الشيعي» في المنطقة.
يوم الأربعاء الماضي، حلّ عسيري من منزله ضيفاً على برنامج Inter-Views مع بولا يعقوبيان على شاشة «المستقبل». وفي اليوم عينه، كانت سفارته تستقبل طاقم mtv التي خرجت بتقرير (إعداد دنيز رحمة فخري) في نشرتها المسائية بعنوان «عسيري رداً على إيران وحزب الله». في هذا الريبورتاج، تفوّقت فخري على نفسها وبثّت نَفَسها التحريضي بشكل لافت، فكانت سعودية أكثر من السعوديين. في البداية، علّقت المراسلة بالقول: «لا جدوى لأي ديبلوماسية عندما يتعلق الأمر بكرامة بلاده (عسيري)»، رابطةً بطريقة بين طلب السيّد حسن نصرالله إجراء تحقيق في حادثة منى وبين «رفضه» التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق لافيق الحريري!
وفي اليوم التالي (1 تشرين الأوّل/ أكتوبر)، كان دور «الجديد» وotv. من منزله أيضاً، ظهر عسيري خلال النشرة الإخبارية للقناة البرتقالية، ودامت مداخلته لأكثر من تسع دقائق. وفي الليلة نفسها، كانت «الجديد» تبث في نشرة أخبارها المسائية مقابلة مع السفير السعودي، برّرتها صاحبتها نوال بري بأنّها أجريت بُعيد «تراجع الحدّة بين الطرفين أي إيران والسعودية». علقت المراسلة الشابة في مستهل مقابلتها القصيرة أنّه «جئنا نسأل السفير عن آخر المستجدات في إطار التحقيق (منى)».
وفي خلاصة اللقاء، لم يقدّم عسيري أي معلومة بخصوص نتائج هذا التحقيق، بل كان تركيزه على «الجهود الخيّرة» للملكة في توفير «كل ما يلزم للحجاج».
إذاً، في غضون أسبوع واحد وفي فترات متقاربة جداً، تنقلّ السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري بين تلفزيونات لبنانية لبّت طلبه سريعاً، في سبيل تبييض صورة بلاده وإظهارها كبلد سـ«يتعالى عن الاتهامات الحادة ويمضي في سبيل إجراء تحقيق شفاف وواضح في فاجعة منى»!