مع تزايد حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة، برزت تساؤلات تتعلّق بالتغطية الإعلامية لهذا الموضوع. ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أنّ الولايات المتحدة تأتي على رأس دول العالم في عدد حوادث إطلاق النار، مع تسجيلها إجمالي 133 حادثاً من هذا النوع، أدت إلى 487 قتيلاً بين عامي 2014 و2015. آخر واقعة سُجّلت في كلية «أمبكوا كوميونيتي» في ولاية أوريغون، وأودت بحياة تسعة أشخاص.
أمام هذه الصورة القاتمة، أفردت كورين بورتيل مقالاً في موقع Quartz الأميركي لضرورة إعادة الإعلاميين النظر في طريقة تعاطيهم المهنية مع هذه الجرائم وغيرها. في النص الذي نشره أيضاً موقع «هافنغتون بوست» الأميركي، استعانت بورتيل بدراسة أجريت هذا الصيف في «جامعة أريزونا». توصّل البحث إلى «دلائل واضحة» على أنّه في حالة إطلاق النار في المدارس وما شابه، فإنّ إحتمال وقوع هذه الحوادث يزيد مع إنتشار أخبار مماثلة في وسائل الإعلام قبل أسبوعين من وقوعها.
في 2014ـ جرى تحليل 160 حادثة إطلاق نار في الولايات المتحدة جرت بين عامي 2000 و2013، وأكّد أندريه سايمونز من «وحدة التحليل السلوكي» التابعة لـ «مكتب التحقيقات الفدرالية» أنّ المجرمين «يستوحون من هجومات سابقة».
لذلك، تشرح بورتيل أنّ سعي المراسلين إلى إعداد تقارير تحتوي على معلومات دقيقة وكثيرة عن هذه الحوادث، قد يؤدي في هذه الحالات وعن غير قصد إلى «تشجيع البعض على الإقدام على الجرائم». وتستند الصحافية الأميركية في كلامها إلى تصريحات اختصاصيين في علمَيْ الإجتماع والنفس.
ولتأكيد كلامها، تتابع لافتةً إلى أنّ التقارير الأمنية تؤكد أنّ منفذي الإعتداءات عادّة ما يجمعون مقالات عن حوادث مشابهة سابقة. وأبرز مثال على ذلك هو المشتبه به في تنفيذ إعتداء أوريغون الأخير.
«كلّما استطاع الإنسان تصوّر السيناريو بوضوح، تمكّن من تنفيذه بطريقة صحيحة»، تقول عالمة الإجتماع زينب توفقجي. هذه الأخيرة وزملاء آخرون لها حثّوا الإعلاميين على إغفال بعض التفاصيل من مقالاتهم أو تقاريرهم المصوّرة والمسموعة، للتخفيف من إمكانية تصوّر الجريمة. تفاصيل مثل نوعية الأسلحة المستخدمة، والجداول الزمنية، وإعادة تخيّل مشاهد القتل.
حتى إنّ عدداً من الأشخاص نشروا خطواتهم قبل تنفيذ جرائمهم، ما يُظهر شدّة إهتمامهم بنظرة وسائل الإعلام والرأي العام لهم. على سبيل المثال، منفّذ الهجوم ضد مراسلة ومصوّر تلفزيوني في ولاية فرجينيا في آب (أغسطس) الماضي، وهو مراسل سابق، أرسل مانيفستو إلى شبكة ABC يحتوي على مظالمه، ونشر تغريدة على تويتر تدلّ على تعليمات لزيارة صفحته الفايسبوكية للعثور على مقاطع الفيديو التي تصوّر لحظة وقوع جريمته.
لأنّ هناك من يسعى إلى الشهرة من خلال القتل، ولأنّ الغالبية تستعين بالإعلام بطريقة أو بأخرى لتنفيذ الجرائم، ينصح البعض بضرورة إهمال السلطة الرابعة لهؤلاء، لعلّه يخفّف من ارتكاباتهم!