يختلف اللبنانيون في ما بينهم حول السياسات الوطنية الداخلية، وتلك واحدة من سمات الأنظمة الديمقراطية. لكن مهلاً، ليست الديمقراطية اللبنانية بقادرة على اجتراح المعجزات، وتحاول بعض القوى السياسية مجافاتها لكن سرعان ما تعود إلى قواعدها حين يظهر أنه لا بديل منها.
يتناوب الصراع مع التسوية في السياسة اللبنانية الداخلية لكن الصراع، بعد تجربة الحرب الأهلية يعرف أنه يلزم أن يكون منضبطاً تحت سقف الوحدة الوطنية والحفاظ على السلم الأهلي وانضباط عمل المؤسسات والنظام العام وكلما حصل شطط في توجهات بعض القوى لتغليب الصراع على التسوية لكنها سرعان ما تدرك أن لبنان بلد يقوم على سيادة التسويات.
وعليه، فإن الخطاب السياسي الذي يظهر متوتراً في مراحل معينة يكون أعلى من توترات الواقع السياسي. حيث يعود هذا الواقع ليفرض نفسه على الخطاب فيستقيم ويعتدل إن الخلافات الطائفية إذا ظهرت تظل تحت سقف الشراكة الوطنية والعيش الواحد، والخلافات المذهبيّة إذا برزت تظل تحت سقف الوحدة الإسلامية ونبذ الفتنة العمياء والخلافات السياسية إذا اشتدت تظل تحت سقف التوافق الوطني وعمل المؤسسات والاحتكام إلى الدستور والقوانين، وصندوقة الاقتراع.
وهذا على ما ذكرنا بعض تقاليد الديمقراطية اللبنانية وإلى جانب التقليدي الديمقراطي يظهر الحوار الوطني، كواحد من سمات الوضع السياسي اللبناني، مثلما كانت تجربة طاولة الحوار وكذلك بين القوى السياسية، كما هو الأمر بين حزب الله والتيار الوطني الحر، والتيار الوطني الحر والمستقبل والمستقبل وحزب الله والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وحوار اليمين واليسار والقوى الاقتصادية من أرباب العمل والعمال، والحوارات داخل وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك المجتمع الأهلي، بين العائلات والعشائر والمناطق، وغيرها. إن فلسفة الحوار والإعلام الحر وحق التعبير والاعتراف بالآخر المؤتلف المختلف واحدة من سمات النظام اللبناني الظاهرة والباطنة.
إن إرادة الحياة والاعتدال وعشق الحرية والإنتاج والإبداع الأدبي والفني، وامتلاك العلم وتقنياته واحدة من سمات الشخصية اللبنانية، وعليه نجد أن في مسألة الاعتدال تظهر خسارة المتشددين معاركهم السياسية بفترة قياسية، حيث سرعان ما ينكشف للناس خطورة التعصب والتشدد والمغالاة لصالح الاعتدال والاستقامة. وإذا كان الفساد الاقتصادي والسياسي موجوداً، لكن يجمع اللبنانيون على أنه أمر مكروه. وإذا تكشف أمر الفاسدين، خسروا ما ربحوه وصاروا عاجزين عن تسويق فسادهم. الفساد بكل وجوهه موجود في لبنان لكنه مكروه بصورة عامة ولا يستطيع أحد الدفاع عن الفساد ولا يستطيع الفساد، على خطورته، إفساد الحياة السياسية اللبنانية العامة.
إن بلداً من سماته السياسية هذه الصفات لا يمكن أن يكون هدفاً سهلاً للغزاة والإرهابيين التكفيريين. وعليه فإن الحياة السياسية الداخلية بديناميكيتها قادرة على تنظيف نفسها من مواضع الفساد، وإصلاح نفسها من عناصر الوهن، لتصبح قادرة على إدارة حياتها والحفاظ على مصالحها وقيمها وسيادتها الوطنية.
ولكن بقدر ما هي صورة الإشكالات اللبنانية في السياسات الداخلية قابلة للحلول، فإن إشكاليات السياسة الخارجية، عربية إقليمية ودولية تبدو أكثر صعوبة والأمر يعود إلى شهية الخارج الإقليمي والدولي على زج أنفه في شؤون البلد الصغير. ابتدعت السياسة اللبنانية مقولة النأي بالنفس عن سياسة المحاور والنزاعات التي عصفت بالشرق العربي والإسلامي لكن هذه السياسة لم تكن واقعية ما فيه الكفاية حيث لو ترك القط لغفا ونام. كيف يمكن النأي بالنفس عن محاربة الإرهاب، وقوى الإرهاب تضع لبنان في أولوية استراتيجيتها للسيطرة على الشرق العربي والإسلامي على ما ذكرنا. وعليه، فإن النأي بالنفس كان ممكناً في حالة إغراق عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ولكن لا يمكنه أن ينأى بنفسه في الدفاع عن نفسه أمام هجمات الإرهابيين من الغزاة التكفيريين.

تشكل المنطقة الوسطى في سوريا عقدة عسكرية أساسية للسيطرة على لبنان

إن النقاش الوطني حول سياسة النأي بالنفس وموضوع العلاقة مع المحاور الإقليمية استنفذ أغراضه لجهة أن هذه المحاور حقيقة واقعية، تجذب اللبنانيين للانضمام إليها، لكن الفارق بين محاور يكون للبنان مصلحة مشتركة معها في الدفاع عن نفسه وأخرى تجلب له الضرر والويلات. وعليه فقد استيقظ اللبنانيون بعد غفوة النأي بالنفس إلى ضرورة الانخراط في جبهة حقيقية لمقاومة الإرهاب، كان لبنان جيشاً ومقاومة وشعباً من السبّاقين إليها. وهذا ما يكشفه النظر في المستوى العسكري والأمني من الحرب على الإرهاب، وكيف وجد اللبنانيون أنفسهم جبهة وطنية واحدة في مواجهة غزو إرهابي وصل من تطويق الحدود ومهاجمة المناطق وارتهان المدن والبلدات إلى ارتكاب مجازر القتل الجماعي في أسواق المدن وتهديد الأمن القومي ووحدة البلاد وسلامة أرضها وحماية حدودها، والحفاظ على سيادتها الوطنيّة، ومصالحها وقيمها، حتى صار خطراً وجودياً باعتراف جميع المكونات اللبنانية سواء أعلنت القوى السياسية هذا الاعتراف أو أبقته لأسبابها الخاصة طي الكتمان...

المستوى العسكري والأمني

ذكرنا أن حركات التكفير الإرهابية ظنت أن لبنان هدفاً سهلاً لها، مستندة إلى ما تظن من وهن وخلل في بنيانه الاجتماعي والسياسي ولذلك وضعته في أولويات استراتيجيتها العسكرية لإكمال السيطرة على حاضرة وادي العاصي وسهل البقاع والجبال الشرقية والغربية المحيطة بهما والاندفاع إلى شواطئ المتوسط على الساحل السوري – اللبناني.
وحددت العدو بالمعنى العسكري لها بكل من حزب الله والمقاومة الإسلامية والجيش اللبناني والقوى الأمنية وجمعت في تكتيكها العسكري بين عمليات الإرهاب بواسطة السيارات المفخخة والصواريخ الموجهة في داخل المدن والبلدات، وحشد القوى العسكرية على الحدود الشمالية الشرقية للانقضاض في الوقت المناسب في خطة غزو شاملة للبقاع والشمال وصولاً إلى مدن الساحل وجبل لبنان. وحددت لهذه الخطة المحكمة مناطق في سوريا قوامها المنطقة الوسطى، وقاعدتها مدينة حمص، ورأس حربتها مدينة القصير، وريف دمشق وحربته الزبداني للسيطرة على طريق بيروت – دمشق.
تشكّل المنطقة الوسطى في سوريا عقدة عسكرية أساسية للسيطرة على لبنان، باعتبارها مفتوحة على البادية من ناحية وعلى الحدود التركية – السورية من ناحية ثانية. وجعلت من القصير، وريف مدينة حمص، مركز تجمع القوات ورأس حربة الغزو المنتظر للأراضي اللبنانية، وجعلت لها في لبنان مراكز موزعة بين السلسلتين الشرقية والغربية، بلدة عرسال وجرد القلمون في السلسلة الشرقية وجرود عكار الضنيّة المتصلة بجرد مدينة الهرمل ومدينة بشري في أعالي جبال المكمل، وكانت طرابلس درّة المتوسط في خطة السيطرة على الساحل اللبناني.
وعليه تمثل حرب القصير وتلة قادش، المعركة الفاصلة في الحرب على الإرهاب التكفيري. لقد بينت الاستعدادات العسكرية، في مرحلة متقدمة من الحرب في مدينة القصير وريف حمص المجاور للأراضي اللبنانية، الدور الذي أوكلته هذه الجماعات لها في استراتيجيتها العسكرية، وعليه فإن تحرير القصير وريف حمص، وجزء كبير من مدينة حمص شكل الضربة القاسية من الناحية العسكرية لخطة غزوة لبنان. إنني كمواطن لبناني أولاً وابن مدينة الهرمل ثانياً، الجارة العزيزة لحمص والقصير أجد نفسي في موقع تقديم التحية لأرواح الشهداء الذين سقطوا في الحرب على الإرهاب في هذه المنطقة خاصة فرسان جبل عامل وما أدراك ما جبل عامل وكذلك أبناء الضاحية الجنوبية لبيروت وبلاد جبيل وجبال كسروان وكل لبنان. إن دماءهم الطاهرة في معركة الدفاع المقدس ستبقى ديناً على رقابنا وشاهداً علينا إلى يوم القيامة. لقد تحدث لي أخوة كثيرون من أبناء الهرمل عن سماع نداءات اللاسلكي يتوعدون فيها أهلنا، بتناول الغداء على منابع نهر العاصي، بعد أن يقتلوا الرجال ويسبوا النساء، وأنهم قادمون إلى الجبل والساحل وبيروت. كانت هذه هي في الحقيقة خطة غزوهم ولكن للحرب قوانينها وللميدان رجال، فقد حصل ما بات معروفاً من هزيمة التكفيريين النكراء، هزيمة كاملة بالمعنى العسكري في حرب القصير، وتلتها حرب القلمون والتي صارت في فصولها الأخيرة، بعد أن تمكن الجيش العربي السوري من تحرير المناطق السورية في قلعة الحصن المحيطة بكل من جرود عكار ومدينة طرابلس.
لعب الجيش اللبناني إلى جانب المقاومة دوراً بارزاً في منطقة عرسال وجرودها وفي جرود القاع ورأس بعلبك ولا يزال. وصار من المستحيل على قوات الإرهاب التكفيري تحقيق مكاسب عسكرية في معاركها الانتحارية. معارك الموت المجاني، الناتج عن التعصب والكراهية والعنف الأعمى وأوهام الغزو والسيطرة.
استطاع الجيش اللبناني ومخابراته والقوى الأمنية الأخرى من تفكيك المجموعات الإرهابية في الداخل اللبناني واعتقال الشبكات السرية لهم وتجفيف مواردها البشرية والمالية، وخلاياهم البشرية المبثوثة في المناطق اللبنانية وفي المخيمات الفلسطينية وكانت معركة عبرا وما تلاها وتخليص مدينة طرابلس من أسر قوى الميليشيات المحلية، وتفكيك خلاياها واعتقال عناصرها وكذلك فك حصار عرسال من الإرهابيين وعودة هذه البلدة اللبنانية الشجاعة إلى أحضان منطقتها ووطنها واحدة من أبرز إنجازات الحرب الأمنية على الإرهاب لقد عملت الاستخبارات اللبنانية كمؤسسة مهنية محترفة، واجبها الدفاع عن الأمن القومي، وكان تعاونها مع جهاز أمن المقاومة فعالاً ومنتجاً في مواضع عدة من الحرب الاستخبارية على خلايا الإرهاب وتفكيكها وتجفيف مصادرها. لست هنا في معرض دراسة عسكرية تفصيلية لهذه الحرب لكنني وعلى قدر ما أعرفه في هذا المضمار فإنه يبرز أمرين أساسيين في التقييم العسكري المحض لمجريات الحرب اللبنانية على الإرهاب هما:
1- أن الجيش اللبناني ومعه القوى الأمنية على تواضع الإمكانيات المتوفرة لهما حققا إنجازات لافتة في محاربة الإرهاب، عجزت عنها جيوش وأجهزة مخابرات دول قوية، لم تكن المعركة ضد الإرهاب سهلة على الإطلاق. لقد ذهب ضحيتها إلى جانب جنود الجيش وجرحاه وأسراه أناس أبرياء من المواطنين اللبنانيين. وقد تهدد الأمن القومي اللبناني في العمق وضرب الإرهاب في وسط العاصمة اللبنانية بيروت وضاحيتها الجنوبيّة. واعتدى على المقار الدبلوماسية للدول الشقيقة وهدد أخرى وكذلك فعل في العاصمة الثانية طرابلس الفيحاء وعاصمة الجنوب مدينة صيدا المقاومة وفي مدينة الهرمل والبقاع الشمالي ومدينة بعلبك أقدم المدن في التاريخ. كيف استطاع الجيش اللبناني والقوى الأمنية مواجهة الإرهاب في تكتيكاته المتعددة الأهداف؟
لقد تحقق هذا الإنجاز بفعل العوامل التالية:
أ) كان الشعب اللبناني يقف مع الجيش ووراءه في حربه على الإرهاب، لم يكن الجيش اللبناني جيشاً صليبياً على ما ادعى الإرهابيون، ولا جيشاً فئوياً على ما ذهب آخرون، إنما كان جيشاً وطنياً عقيدته الدفاع عن الوطن والشعب، في التضحية والوفاء والشرف.
ب) كان الجيش اللبناني مطمئناً إلى دعم الشعب له، وعليه فقد استطاع، بنسبة مقبولة، أن ينفذ من مشكلات الخلاف السياسي، وحمل القوى السياسية على الاتفاق حول ضرورة توحيد القوى ودعم الجيش والقوى الأمنية في الحرب على الإرهاب.
ت) كان الجيش اللبناني يذهب إلى الحرب مطمئناً أن له سنداً قوياً هم رجال المقاومة الإسلامية، وأن المجاهدين حاضرون للدفاع عن الوطن والشعب والجيش. كان يستند إلى وحدة حقيقية في استراتيجيته القتالية بين حرب الجيوش الكلاسيكيّة وحرب الأنصار في المدن وفي الجبال.
ث) اشتغلت الوحدات الخاصة في الجيش اللبناني بقدرات مرتفعة في حرب الجبال، وذلك يفيد في تعزيز دور وحدات المغاوير والمجوقل وغيرها من الوحدات الخاصة المدربة على شتى مهمات القتال الصعبة.
ج) عملت الاستخبارات العسكرية والقوى الأمنية، كوحدات مهنية عالية الكفاءة، وتعاونت مع أجهزة أخرى إقليمية ودولية، فيما كان تعاونها مع جهاز أمن المقاومة الأكثر نجاعةً في مواجهة خلايا الإرهاب؛ اشتغلت هذه المؤسسات على قاعدة مصالح الأمن القومي، رغم التدخلات السياسية التي تعرقل بعض أعمالها وتجعلها أكثر صعوبة، وهذا يفيدنا أن أجهزة الأمن يجب أن تعمل بمهنية وتقنية وكفاءة ونزاهة عالية، ويكون لها تقاليد المؤسسة أو service، بصرف النظر عن المتغيرات والتدخلات السياسية، دفاعاً عن سلامة البلاد والأمن القومي...
ح) في مسألة دور الجيش وقياساً على مراحل مشهودة من الحرب الأهلية تبرز مسألة العلاقة مع المخيمات الفلسطينية خاصة بعد تجربة حرب نهر البارد القاسية. ومن الصريح أن الشعب الفلسطيني، كغيره من الشعوب العربية يعاني من وجود تيارات إرهاب تكفيري لكن الشعب الفلسطيني أكثر الشعوب العربية مصلحة في محاربة الإرهاب، خاصة أن الإرهاب يضعف الأمة ويفتت قواها ويبعد مجاهديها عن القدس.
استطاع الجيش اللبناني والقوى الأمنية بالتعاون مع أمن المقاومة، وكذلك لجان الحوار اللبناني – الفلسطيني، ضبط التطورات السلبية في المخيمات خاصة مخيم عين الحلوة في الجنوب، وبعض مخيمات الشمال اللبناني.
إن الفلسطينيين في لبنان اكتسبوا من الاجتماع اللبناني طبيعة هذا الاجتماع كما اكتسب منهم اللبنانييون أموراً عدة، وصار العقل الفلسطيني مدركاً لخطط الآخرين من حمله إلى دخول حروب لا ناقة له فيها ولا جمل. لقد أثمرت كل هذه الجهود في الحفاظ على الأمن الفلسطيني في المخيمات وعلى استقرار الوضع وضبط محاولات التخريب وإشاعة الفوضى...
هذه هي العناصر المشتركة التي ساعدت الجيش اللبناني في كسب مراحل حربه على الإرهاب رغم الصعوبات التي واجهته في مسارها الملتهب.
2- حزب الله والانتصار في الحرب على الإرهاب: حزب الله والمقاومة الإسلامية واجهوا في حرب الدفاع المقدس، حركات الإرهاب التكفيري، على اختلاف ميولها وتسميتها وذلك في مواقع عدة، في كل من سوريا ولبنان. كان حزب الله، واثقاً من أن هذه الحرب تستهدفه في لبنان، وتستهدف حلفاءه في سوريا والعراق وبقية دول المنطقة. وأن الهدف الرئيسي للإرهاب التكفيري هو القيام بضرب حزب الله، الأمر الذي عجز عنه العدو الصهيوني كان هذا الأمر يستلزم شرحاً سياسياً مركباً في البداية.
وقام سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله حفظه المولى، في خطب عدة بشرح وافٍ كافٍ لطبيعة الحرب على الإرهاب ودور حزب الله في مواجهتها. وكان يركز أن الأمر، بطبيعته المركبة في البداية كان يحتاج محل البصر إلى البصيرة بمعنى أن إدراك حقائقه وجوهره، يستلزم اشتراك الحواس الظاهرة والباطنة للوصول إلى كنه حقيقته. ليس الذهاب إلى الحرب عند حزب الله بالأمر المستحب كتب عليكم القتال وهو كره لكم. لكن حين يكون القتال ضرورياً للدفاع عن النفس والعقيدة، عن المصالح والقيم يكون حزب الله جاهزاً ومستعداً لتقديم التضحيات، ويرى أن الحرب أمر صعب، وليست لعباً على الإطلاق، ولذلك يعد لها كل ما استطاع من قوة ومن رباط الخيل...
لقد ربح حزب الله والمقاومة الإسلامية كل معارك الحرب على الإرهاب في سوريا وفي لبنان وهذه ناحية ملفتة بنظر العقل العسكري المحض. تحارب الجيوش في الحروب، تربح معركة هنا وتخسر معركة هناك، ولكن مجاهدي المقاومة الإسلامية كسبوا في حرب الدفاع المقدس كل معاركهم ضد الإرهابيين التكفيريين، وهذه مسألة تستحق من العقل العسكري المحض دراستها في إمعان وتدبر لأنها في جانب منها على ما أعتقد يقوم التوفيق الإلهي الذي لا يكون إلا للصادقين.
لا يسعني استخلاص الدروس العسكرية المستفادة من حرب المقاومة على الإرهاب التكفيري، لكن يمكن القول على قدر المعرفة المتوفرة عندي، أن صوابية الموقف السياسي، وحكمة القيادة، وشجاعة القرار، والقدرة على تقديم التضحيات، ومستوى الإعداد المادي والمعنوي، والحرص على قواعد أخلاق الحرب، التي جعل منها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قواعد تضع الانتصار في ميدان الحرب، وفي الوقوف في ميدان الحساب يوم القيامة. وأن التنسيق عالي المستوى بين مؤسسات المجلس الجهادي العسكرية والأمنية والمالية والإعلامية والإدارية كلها ساهمت في تحقيق الانتصار المدوي على الإرهاب إضافة إلى التنسيق الدائم مع الجيش والتواصل الدائم مع الشعب وكشف الحقائق للرأي العام، ووضعه في محل المسؤولية، ومشاركة القيادة، أعباء القرارات الصعبة كلها وفي مقدمها قدرة الشعب اللبناني، وأهل المقاومة على تقديم التضحيات والثقة بالقيادة الحكيمة، صنعت الانتصار في المعارك من دون خسارة واحدة منها وهو على ما أعتقد لأمر عجيب في النظر العسكري.
وحدة الجيش والشعب مع المقاومة تحقق مرة ثانية انتصارها الصريح.
إن أجوبة السؤال الإشكالية كيف ربح لبنان حربه على الإرهاب التكفيري ولماذا صارت واضحة بينه الأسباب والطرائق. ولعلها تكون مفيدة لإدارة الحرب العالمية على الإرهاب في بلدان ومناطق أخرى.
لقد ربح لبنان في عناصر قوته الاجتماعية والسياسية والعسكرية الحرب على الإرهاب وأصبح في منطقة آمنة نسبياً من أخطاره، لكن الحرب تستلزم حالة الاستعداد لها خاصة إذا كانت النيران لا تزال مشتعلة في مناطق الصراع. إن هزيمة الإرهاب تكون بسحق قوته إلى غير رجعة حيث لا تقوم له بعد هزيمته قيامة.
إن سحق قوات العدو هو الانتصار بالمعنى العسكري المحض. وهذا تحقق في جانب منه في حرب لبنان على الإرهاب، بوحدة الجيش والشعب والمقاومة. ومنه يستفيد الآخرون لو أدركوا الحقائق واعتبروا.
*كاتب، وزير لبناني سابق