فجأة فقد أعضاء لجنة الأشغال العامة النيابية أعصابهم. مشهد التضارب والشتم بين النواب أمس كان كافياً لفضح كل شيء ولإثبات صوابية التحركات الشعبية القائمة؛ فالفساد يتحمل مسؤوليته جميع القوى الموجودة في السلطة، سواء كانت مشاركة فيه أو متستّرة عليه، باعتراف القوى نفسها.
كذلك، أكّد مشهد التضارب أنّ معركة الحراك الجديّة هي استهداف طاولة الحوار لمنع القوى السياسية من الوصول إلى اتفاق بينها من أجل إخضاع المواطنين. فما إن بدأ الخلاف صرخ أحد النواب محاولاً تهدئة الوضع «في طاولة حوار بكرا، شو هالرسالة لي عم توصلوها؟!». لم يستجب أي من النواب لهذه المحاولة. وعندما احتدم الخلاف بينهم بانت الحقائق. وقف عضو كتلة «المستقبل» جمال الجرّاح وتوجّه الى عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب زياد أسود قائلاً «واحد حرامي وسارق الكهربا»، ليجيبه الأخير «إنت لي سارق الكهربا، إنت ومعلمك». لم يسكت الجراح عن اتهام أسود، فأجابه «إنتو سارقين البلد». استفزّ الأمر أسود فهدّد الجراح بفضحه: «ساكتينلك نحنا ما تفتح تمك!»، فيسانده زميله في التكتل النائب نبيل نقولا قائلاً «رئيس اللجنة (قباني) مزوّر ومش دافع فواتيرو وبدو يعطّل عمل البرلمان». هكذا إذاً اتهم نواب تيار المستقبل أعضاء تكتل التغيير والإصلاح بالسرقة، ليردّ هؤلاء باتهام مماثل، مهدّدين بفضح فساد نواب «المستقبل».

زياد أسود:
«إنت لي سارق الكهربا، إنت ومعلمك»

فعلياً، لا نية لأحد من هؤلاء في فضح أي ملف، لكن ما حصل أمس يدخل ضمن المعارك السياسية التي تخوضها القوى لتحسين موقعها. فجميع هذه القوى تدرك أنّ ما صرّح به وزير المال علي حسن خليل أول من أمس صحيح: «اللحظة ليست لحظة تصفية حسابات جزئية، فالمكابرة توصل البلد الى المجهول والى المزيد من الفراغ والتعطيل، وعلى الجميع أن يدرك أن المركب إذا غرق لن يسلم أي طرف من الغرق، لأن الجميع في هذا المركب، على الجميع أن يذهب إلى الحوار الأسبوع المقبل بروح المسؤولية». وسط الشتائم المتبادلة في إحدى قاعات مجلس النواب، يصرخ أحد النواب غاضباً «يلعن أبوكم زعران»، ليؤكد مقولة الحراك الأولى: يسقط يسقط حكم الأزعر!
مشهد أمس أوضح للبنانيين كيف تتعامل قوى السلطة مع أبرز مشاكلهم الحياتية المتمثلة في أزمة الكهرباء التي يعاني منها الجميع. تُقايض على حسابهم، تتستر على ملفات فساد وتكشف جزءاً من ملفات أخرى لأسباب لا علاقة لها بالمصلحة العامة.
قدّم النواب أمس دفعاً جديداً وسبباً قوياً للحراك كي يستمر. ملف فساد الكهرباء مفتوح اليوم على مصراعيه، والمطلوب من الحراك أن يمنع القوى السياسية من «لفلفة» الموضوع كما يحصل دائماً، وهو ما ستسعى القوى السياسية جاهدة إلى تحقيقه. مهمة الحراك لم تعد تقتصر على أزمة النفايات، بل باتت تطال مختلف الملفات الحياتية، وأولها فضح الذين دمّروا قطاع الكهرباء على مدى سنوات طويلة، فأوصلوا الأمر الى ما هو عليه.

كيف بدأ الخلاف؟

جلسة لجنة الأشغال النيابية كانت مخصصة أمس لمتابعة موضوع الكهرباء والتقنين القاسي والهدر المالي، بحضور وزير المال علي حسن خليل ورئيس ديوان المحاسبة أحمد حمدان، وذلك على خلفية الاتهامات المتبادلة بين وزارتي المال والطاقة الشهر الفائت، حين ردّ المكتب الإعلامي لوزارة المال على وزارة الطاقة بجملة واحدة تثبت استخفاف السلطة بالشعب: «بيان وزارة الطاقة يشبه طاقتها في تأمين الكهرباء، وإن تكذب كثيراً فلن يغير الحقائق».
ما ان بدأت الجلسة، حتى بادر عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب حكمت ديب إلى اتهام رئيس اللجنة النائب محمد قباني بالكذب وتغيير الحقائق، قائلاً «منحكي هون شي وبيطلع لبرا بيصرح بالسرقة وبالأربعين حرامي»، مطالباً «بعرض محضر الجلسة السابقة وألا تكون الجلسة المقبلة سريّة». قباني رفع الجلسة بناءً على طلب من النائب قاسم هاشم، فعَلَت أصوات نواب تكتل «التغيير والإصلاح»، وردّ عليهم نواب كتلة «المستقبل»، ليتطور الأمر إلى إشكال حاد بين أسود والجرّاح وتضارب ورشق بزجاجات المياه، بعدما توجّه الجرّاح إلى أسود بالقول «سد بوزك».
عقب رفع الجلسة، عقد النائب فادي الأعور مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع النائبين حكمت ديب ونبيل نقولا أكدوا فيه أنّ «النائب محمد قباني رفع الجلسة من أجل عدم عرض الحقائق أمام اللبنانيين». كذلك أعلن نقولا أننا «أتينا لتوضيح الامور أمام الرأي العام اللبناني، وتوضيح 3 أسئلة داخل اللجنة بعدما اتهمنا «المستقبل» بأموال متبخرة، و«المستقبل» كان من الأساس غير موافق على وجود معمل في دير عمار».
من جهة أخرى، عقد أيضاً نواب «المستقبل» مؤتمراً صحافياً، فأكّد الجراح أنّ «وزير المال عرض في الجلسة السابقة الوثائق والتواريخ المتعلقة بموضوع الطاقة، لكن وزارة الطاقة رفضت إرسال العقد إلى ديوان المحاسبة، وهذا التجاوز يؤشّر إلى صفقات معينة»، ليكشف النائب كاظم الخير بدوره أنّ «ما عطّل معمل دير عمار هو الفساد الذي ارتكب في التلزيم، فمن غير المقبول اللعب بمشاعر اللبنانيين بهذا الشكل وحرف الانظار عن الفساد لتجييش الشارع»، مؤكداً أن «ديوان المحاسبة هو المرجع الصالح لبتّ المخالفات».
هكذا إذاً ادّعى الفريقان أنهما سيكشفان للبنانيين فساد ملف الكهرباء، إلّا أنهما لم يكشفا عن أي شيء، فقد غادر نواب «التغيير والإصلاح» من دون أن يعرضوا «الحقائق على اللبنانيين» أو يخبروهم عن فضيحة معمل دير عمار، ولحقهم نواب «المستقبل» الذين لم يفضحوا بدورهم لماذا رفضت وزارة الطاقة، وفق تصريحهم، إرسال العقد إلى ديوان المحاسبة.
إشكال أمس، رغم كيل الاتهامات المتبادلة فيه، لم يُبعد الأطراف السياسية عن هدفها الأساسي. فقد أجمع الفريقان على عدم تأثير ما حصل في طاولة الحوار، ووجوب توحيد الصفوف، إذ عبّر عضو كتلة «المستقبل» التائب خضر حبيب عن أنه «سيكون هناك الكثير من التنسيق بين الفعاليات السياسية، هذه الجلسة أجّلت ولم يتم إلغاؤها، فالمفروض أن يتم تأجيل هذه الجلسة إلى حين ترتيب الأمور والتنسيق بين الفعاليات السياسية»، فيما أكّد النائب نبيل نقولا أنّ «ما حصل لا علاقة له بطاولة الحوار».