«كلُ يغني ع ليلاه» بهذا المثل يمكن توصيف المشهد الإعلامي المحلي. كل وسيلة اعلام مشغولة حالياً بمعركتها الخاصة والخالصة، على أن يبقى الجامع بينها التجييش والتحريض .قناة otv مشغولة هذه الفترة بالتجييش لتظاهرة الأحد على طريق القصر الجمهوري للاحتفال بذكرى 13 تشرين، و«المستقبل» شنت أمسّ أعنف حملة إعلامية على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله متخطية بذلك كل الأعراف و«الأخلاقيات» الإعلامية (إن وجدت). أما آل المرّ فمستمرون في أبلسة الحراك الشعبي وتفريغه من مضمونه وليس غلاف «الجمهورية» اليوم بمانشيت: «الزعران يحتلّون بيروت» سوى الدليل الساطع على المضي بهذا الخطّ.
منذ أيام، والشاشة البرتقالية تبث على مدار الساعة، شريطاً ترويجياً تظهر فيه الإعلامية مهى سلمى وهي تتحدث عن تاريخ 13 تشرين الأول. بموسيقى مؤثرة وعنفوان واضح من سلمى التي أكدت في هذا المقطع أن الجنرال لم يهرب وتحدثت عن مقابلتها وقتها للسفير الفرنسي «لمعرفة الحقيقة»، فأكد لها أنّ عون كان موجوداً في «الإقامة الجبرية حفاظاً على سلامته الشخصية ولم يهرب». الإعلامية اللبنانية لم تكتف بإعادة سرد ما حصل في ذاك التاريخ، بل ألهبت الجماهير الحاضرة بالقول «إنّ حذاءه (عون) أشرف من كل اللي كانوا عم طلعوا أخبار وقولوا أنه هرب». طبعاً يندرج هذا الشريط الموسوم «بثقافة الحذاء» ضمن بروباغندا تقودها otv للتجييش بهدف المشاركة في تظاهرة نهار الأحد، وإحياء ذكرى 13 تشرين. وسمت الشاشة بداية بهاشتاغ #صوتك_بحرر_بيتك»، وجنّدت كل البرامج لتصب في هذا التجييش حتى الترفيهية منها، على وقع أغنية «عونك جايي من الله». في هذا المجال، عمد مذيع برنامج «يوم جديد» الصباحي ايلي حوشان الى فبركة خدعة عبر الإيحاء للمشاهدين بأنه سيقدم استقالته من المحطة. هكذا خدع متابعيه على فايسبوك، وبعدها توجه صباحاً ليتحدث عن استقالته التي سيقدمها على الهواء. أخرج ورقة وقرأها وتبين أن ما افتعله لا يمكن وضعه الا ضمن استغباء الجمهور والإثارة بهدف التجييش للمشاركة في تظاهرة «التيار الوطني الحرّ».

أما الشاشة الزرقاء، فمشغولة فهذه الأيام بمعركة «دفاعها» عن المملكة العربية السعودية بعد كلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله عن دور المملكة و«مسؤوليتها عن القتل في المنطقة» لا سيما في حرب تموز 2006. لعلّه الهجوم الأشرس والأعنف على «حزب الله» وأمينه العام، إذ تخطى أدبيات وأخلاقيات الإعلام. شنت «المستقبل» في مقدمة نشرة اخبارها أمس، هجوماً غير مسبوق على السيد نصر الله. اتهمته بـ «هتك الدماء» و«سفك ونسف بيوت السوريين وتفجير الأوضاع في الكويت ومصر والبحرين»، وكذلك «بإحراق جسور العودة مع العرب». مع التذكير بأفضال المملكة ومعها دول الخليج التي تكفلت «إعادة إعمار» لبنان والجنوب والضاحية. وخلصت المقدمة الى أن «نصر الله لم يبق له الا أن يتهم السعودية بما اقترفت يداه، عن الحرب التي اعترف بأنه أخطأ (..) حين قال: لو كنت أعلم».
ومع هذا المنسوب التحريضي الحربي الذي تطالعنا به شاشة «المستقبل»، كان اللبنانيون على موعد اليوم مع مانشيت صحيفة «الجمهورية» التي وصفت المتظاهرين بـ «الزعران» الذين يريدون «احتلال بيروت». هذا العنوان يذكرّنا بما خرجت به صحيفة «لوريون لو جور» مع بدايات تظاهرات الحراك الشعبي من مانشيت «من أطلق الكلاب في الشوارع؟». هي المدرسة عينها في الأبلسة والتصوير بأن المطالبين بحقوقهم هم مجرد «زعران» وخارجين عن القانون في وقت يتعرضون لشتى أنواع العنف مقابل امتلاكهم لأدوات متواضعة، ضخّمت في بعض الإعلام الى حدّ بات المرء يشعر بأن هراوة أو قنبلة مسيّلة للدموع قد تساوي مفرقعة نارية أو رشق بقنينة مياه فارغة!