افتُتحت منذ أيام سلسلة "الحراك في تقاطعيته" في الجامعة الأميركية عبر ندوة بعنوان "خارطة الحراك" شارك فيها 5 مجموعات من الحراك هي "طلعت ريحتكم"، "حملة إقفال مطمر الناعمة"، "جايي التغيير"، "بدنا نحاسب" و"الشعب يريد". عرضت كل مجموعة رؤيتها السياسية وأهدافها والتكتيكات المعتمدة في عملها بنحو مختصر، ليُفتح بعد ذلك النقاش أمام الحاضرين ليعبروا عن هواجسهم.
يمكن لمس اختلاف نوعية النقاش بين الندوة الأخيرة والندوتين السابقتين اللتين عُقدتا أيضاً في الجامعة الأميركية الأسبوع الفائت (راجع مقال الأخبار: "نقاشات طلاب الجامعات: نحو تسييس الحراك"). ففي الندوتين السابقتين، عندما كان المحاضرون من خارج مجموعات الحراك، كان همّ الطلاب مناقشة كيفية تسييس الحراك، أمّا الندوة الأخيرة التي كانت مخصصة للنقاش مع المجموعات، فقد أخذت منحى نقد عمل هذه المجموعات ومناقشة تفاصيل التحركات الأخيرة وكيفية إعادة الزخم إلى الحراك.
النقاش الذي امتد لثلاث ساعات بين الحاضرين وممثلي المجموعات نتج منه عدد من الملاحظات والأسئلة الجديرة بالنقاش التي لم ينجح ممثلو المجموعات بالإجابة عنها بنحو وافٍ، وأبرزها كيف حوّلت المجموعات المشاركين في التظاهرات إلى متفرجين من خلف الشاشات، ما شكّل ضربة للحراك. فأدوات العمل التي تستخدمها المجموعات متشابهة، وجميعها أسهمت في تراجع الناس من موقع المشارك والمبادر إلى موقع "المشاهد الداعم". فعلياً، ما الذي حصل عندما اقتحمت "طلعت ريحتكم" وزارة البيئة؟ جلس الناس خلف الشاشات وتابعوا النقل المباشر من دون أن يشعروا بالحاجة إلى النزول، على الرغم من تأييدهم للحراك.

لم تجد جميع المجموعات نفسها مضطرة إلى إعلان بناها

لم يشعروا بأنهم مدعوون للمشاركة، لأن أحداً لم يوجّه إليهم دعوة مسبقاً بالنزول إلا كداعمين بعد احتدام المشهد، علماً بأنّ معظمهم كان ينتظر التصعيد الذي وعد به الحراك ليكون فعالاً فيه.
كذلك رأى المشاركون أنّ "سرية" التحركات التي تنظمها المجموعات تُسهم في هذا الأمر، وهو ما تحدّث عنه الباحث أديب نعمة الذي رأى أنّ التكتّم على التحركات وعدم إطلاع الناس على الخطوات المقبلة وإبقاءهم في حالة "مفاجئة" أبعدتهم عن الحراك، متسائلاً: "هل نحن في حرب عصابات كي لا نعلن تحركاتنا؟ المفروض على هذا الحراك أن يخاطب أناسه يومياً ويخبرهم عن الخطوات المستقبلية". بناءً عليه، طرح نعمة سؤالاً مهماً على المجموعات: هل الخطط والمبادرات وأشكال التحرك التي تلت تظاهرة 29 آب حصلت ضمن إطار زيادة الاستقطاب، أم أنه حصل استسهال وإهمال لفكرة الاستقطاب؟ معلناً أنّ الحراك لم يخاطب الآلاف الذين نزلوا إلى الشارع في 29 آب، وهو ما يجب العمل عليه.
يقود النقاش حول "سرية" التحركات إلى ثغرةٍ أخرى لا بدّ للمجموعات أن تنتبه إليها: حتى اليوم لم تجد جميع المجموعات نفسها مضطرة إلى إعلان بنيتها وهيكليتها، بل على العكس تتصرف جميعها بما يوحي بأنّ لديها بنى خفية تحرّكها، وقد انعكس هذا الأمر في أسئلة الحاضرين الذين عبّروا عن هذه الهواجس مثل من يقف خلف حملة "بدنا نحاسب"؟ لماذا انسحب مروان معلوف من "طلعت ريحتكم"؟ لماذا لم نعد نرى بول أبي راشد في "طلعت ريحتكم"؟… ليأتي الجواب أن لا أحد يقف خلف "بدنا نحاسب"، وأنّ أبي راشد عضو في الحركة البيئية اللبنانية وليس "طلعت ريحتكم"، وأن معلوف أصبح في مجموعة "نحو الجمهورية". يكشف هذا الأمر أنّ الناس يهتمون في معرفة بنى المجموعات، لكن أحداً لا يفكر بشرحها لهم، وبالتالي إن إعلان كل مجموعة بنيتها ولجانها والأفراد المسؤولين فيها، ينعكس إيجاباً على الحراك، والدليل على ذلك هو أنه عندما قابل المحاميان رامي عليق وعباس سرور المدعي العام للتمييز القاضي سمير حمود، صدر بيان عن لجنتي المحامين يفيد بأن من قابل حمود لا يمثل الحراك. هذا النفي ما كان ليصدر ويتمتع بالصدقية لو أنّ بنية لجنتي المحامين لم تكن واضحة، وهو ما أصبح واجباً على مجموعات الحراك اعتماده.