الحسكة | يبدو أن الحكومة السورية بدأت تدفع ثمن قرارها الخاطئ المتمثل في عدم تخصيصها مركز استلام لمحصول القطن في محافظة الحسكة، وحصرها الاستلام بمركز حماة، إضافة إلى تحميلها الفلاح تكاليف وعبء إيصال المحصول لمركز الاستلام. كل هذه التفاصيل دفعت بفلاحي سوريا عامّةً، وفلاحي محافظة الحسكة تحديداً إلى العزوف عن زراعة القطن، والتوجّه للزراعات الصيفية كالخضر وغيرها.
ينهمك خالد الحسن، ابن قرية بيزارة شمال مدينة الحسكة، برش المبيدات للحفاظ على إنتاج سلة من الخضروات المتنوعة في أرضه، التي كانت العام الفائت عامرة بمحصول القطن. يبرر خالد ذلك التحول بالقول: «عزفنا عن زراعة القطن لأننا لا نريد تكرار تجربة العام الماضي، فالحكومة لم تقدم تسهيلات كما هي العادة لاستلام المحصول، لذلك وجدنا أن الأفضل هو التوجه لزراعة الخضروات لحاجة المحافظة لها في ظل الحصار البري الذي تعاني منه، هذا رغم تكاليف إنتاجها الكبيرة، وحاجتها لأيد عاملة إضافية». أمّا راكان أحمد علي، ابن القرية ذاتها الذي كان يشرف على العاملات المنشغلات بإزالة العشب الضار في محيط حقل البندورة الذي يزرعه للمرّة الأولى منذ سنوات بدلاً من القطن، فإنه يضيف سبباً آخر للتحول عن زراعة القط، فالحكومة «تخلّت عنّا ولم تعد تمولنا بالبذار والسماد، وما هو متوافر بالسوق السوداء يباع بأسعار مضاعفة عمّا كانت توفره لنا الحكومة». ويضيف: «زراعة الخضروات بدورة زراعية تؤمن الخضر للبلد وتؤمن قوتهم اليومي، لأن الزراعة هي العمل الوحيد لأبناء القرية، في محافظة الحسكة التي تعرف بأنها عاصمة سوريا الزراعية».
يتفق رئيس دائرة الإنتاج النباتي في مديرية زراعة الحسكة، رجب سلامة، مع طروحات الفلاحين، ويؤكد لـ«الأخبار» أن «تدني إنتاج القطن يعود إلى عدم تمويل الفلاحين، وعدم تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي، وعدم استلام المحصول في محافظة الحسكة». وهي أسباب يخلص إليها أيضاً عميد كلية الزراعة في المحافظة، إلياس إسحق، الذي يرى «أن تكاليف إنتاج القطن مرتفعة، فهي تحتاج لنحو 12 رية مياه على مدار دورة زراعية تصل إلى أربعة أشهر، وهو أمر لا يمكن أن يحمل عبئه الفلاح دون دعم حكومي الذي غاب بشكل كامل العام الفائت».

اعتراف رسمي

تصنف سوريا قبل الأزمة على أنها من أوائل الدول في زراعة القطن، المعروف بجودته العالية ونوعية أليافه المميزة، وقد تجاوز الإنتاج في بعض سنوات العقد الماضي نحو المليون طن، حيث كان يذهب قسم منه إلى المحالج الوطنية والقسم الأخر كان يصدر خاماً إلى الخارج، إلا أن وقوع معظم مناطق زراعة القطن في محافظات ساخنة كحلب وإدلب والرقة وحماة ودير الزور تسبب بخروج مساحات كبيرة من الاستثمار، وبالتالي تراجع الإنتاج المحلي من «الذهب الأبيض»، فيما ساعد الأمان النسبي لمحافظة الحسكة على التوجه أكثر لزراعة المادة، ومع ذلك امتنعت الحكومة عن افتتاح مركز استلام للقطن في المحافظة.
تعترف بيانات وزارة الزراعة بالتراجع الكبير الحاصل في زراعة وإنتاج محصول القطن، الذي من شأن استمراريته تحويل سوريا إلى دولة مستوردة للقطن لتشغيل معاملها العامة والخاصة، إذ تكشف البيانات أن المساحة المزروعة بالقطن خلال العام الحالي لا تتجاوز 25 ألف هكتار بانخفاض كبير مقارنة بمساحات عام 2010 التي بلغت نحو 172 ألف هكتار، كذلك الأمر بالنسبة لكميات الإنتاج التي بلغت عام 2010 نحو 472 ألف طن، فيما توقعات الإنتاج لهذا العام لم تتجاوز 50 ألف طن (إنتاج الحسكة وحدها بلغ في العام الماضي أكثر من 60 ألف طن)، لكن الملاحظ أن التدهور في كميات الإنتاج بدأ منذ عام 2013، ففي عامي 2011 و2012 كان الإنتاج جيداً، وأعلى حتى من سنوات ما قبل الأزمة، فقد بلغ في العامين المذكورين على التوالي 672 ألف طن، 593 ألف طن.

... والحل!؟

لا يخفي الفلاحون تحسرهم على هجرتهم لزراعة القطن، فهو منتج تاريخي اعتادوا زراعته منذ عشرات السنوات، وأرباحه مضاعفة بالنسبة لهم. لذلك فإن الكرة هي في ملعب الحكومة التي تعرف المطلوب منها لتحسين واقع زراعة القطن وتعويض الخسائر الناجمة عن تراجع الإنتاج. ويلخص الدكتور إسحق المطلوب بجملة واحدة هي في «عودة الدعم وتأمين سوق حكومي للمادة من خلال فتح مراكز حكومية لاستلام المادة، وإعادة ثقة الفلاح فيها».
الكشف عن الكميات المتوقعة لإنتاج هذا العام جعل الحكومة تستشعر الخطر، فكانت زيارة وزير الصناعة، كمال الدين طعمة، لمدينة الحسكة، وإعلانه أمام المعنيين بالشأن الزراعي، أن «الحكومة مستعدة لفتح مركز للاستلام في الحسكة، لضمان عدم تسرّب الكمية للسوق السوداء»، وبحسب حديث طعمة لـ«الأخبار»، فإن «الحكومة تعالج نقاط الخلل لتخرج بإعادة ترميم للوضع القائم، فإنتاج القطن الحالي تدنى لمستوى لم يصل إليه منذ عقود بفعل الإرهاب»، مشيراً إلى أن «إنتاج الموسم الحالي لا يسد حاجة معمل واحد من معامل الغزل والنسيج لفترة قصيرة». واستدرك بالقول: «ان الوزارة تمتلك مخازن احتياطية من القطن من إنتاج المواسم السابقة، وستؤمن المادة من مصادر من خارج القطر، اذا كانت هناك حاجة ملحة لذلك». وهو أمر أكد عليه أيضاً المدير العام للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية «فالكميات المتوافرة تكفي لشركات الغزل حتى الربع الأوّل من العام القادم فقط».