بخطوات جريئة وغير مبالية بالخطوط الحمر التي يتفاداها اليوم أي صحافي يريد مواصلة الكتابة أو التقديم من دون خوف، سجّلت عودة عمر عبد العزيز الزهراني (1991 ــ الصورة) بموسم جديد من برنامج «فتنة» (يُعرض على يوتيوب ويبث من كندا)، هدفاً في ملعب كل من قال إنّ تهديدات النظام السعودي أعطت مفعولها وأسكتت الناشط المواظب على تعرية تابوهات مجتمع المملكة.
استعاد الزهراني نشاطه الإعلامي بحلقات جديدة، تحوّلت بمجرّد الإعلان عنها إلى هاشتاغ نشط على تويتر، من دون أن تخرج عن توجيه سهام النقد للملكية السعودية بشقيها السياسي والديني.
جرأة «فتنة» أزعجت الوليد بن طلال. في أيلول (سبتمبر) الماضي، طلبت مجموعة «روتانا» المملوكة من الأمير السعودي من يوتيوب إزالة البرنامج بعد ثلاث حلقات من بدء بثّه، بحجة «انتهاك ملكية الوليد الفكرية». تم تجاهل الإعتراض الأميري فور تبرير الزهراني استعانته بمقاطع من برامج الشركة الخليجية، بغرض الإستدلال لا القرصنة، وفق تصريحه لـ «الأخبار».
يلفت الزهراني إلى أنّ حرب الأمير على برنامجه ساعدته على الإنتشار والاستمرار حتى اكتمل عقد الموسم الأوّل الذي سُجّلت أولى حلقاته السبع في غرفة نوم عمر الصغيرة. حلقات تناول فيها تعريف الأمن والأمان، وسخر من بطانة الملك، وناقش تناقضات رجال الدين، مسلطاً الضوء على إستغلال الدولة ورجالاتها للشرع وفق مصالحهم الشخصية.
كوميديا سوداء نجح الزهراني في قولبتها، وبالتميز فيها في ظل كثرة برامج الفيديو القصيرة التي تُبث من السعودية، رافضاً التنميط والرقابة الرسمية والذاتية. كلّ هذه العوامل ولّدت محاولات استثمار القنوات العربية في شخصه لصنع باسم يوسف خليجي: «أغروني بمبالغ واستوديوهات وجمهور حي، لكنّني رفضت لأنّني لست كوميديان. أنا أطمح لقيادة التغيير في بلدي يوماً ما».
تهديدات القتل، لم تستمل الزهراني لسلوك طريق السلامة، أو تمنعه من مواصلة «فتنته». لقد جعله الهجوم أكثر جرأة وتماساً مع كل ما يجري من مستجدات على الساحة السعودية. إستغل كل وسائل التواصل الإجتماعي للتقرّب من الجيل الشباب السعودي، فيما حرّك تويتر وفايسبوك وسناب تشات، حتى قفزت مشاهدات برنامجه عن المليون على يوتيوب.
يصف الزهراني إشتباكه مع النظام السعودي بـ «الرقص مع الأفاعي»، وليصبح ذلك الخطر موثقاً ومكشوفاً، يطمح إلى تحقيق هدفين من خلال برنامجه اليوتيوبي: «أردت تفكيك الأفكار الإجتماعية والدينية والسياسية التي غُرست في ذهن الشعب، وإسقاط هيبة الملكية من نفوس المتابعين»، بخبرنا.
كرّس عمر الزهراني أولى حلقات الموسم الثاني التي حملت عنوان #عهد_جديد_وزيد_أخو_عبيد، للسخرية من العهد السلماني (نسبة إلى الملك سلمان بن عبد العزيز) الذي بدأ بالترويج لدستور ودولة مؤسسات وإنتخابات نزيهة، ليس في السعودية بل في سوريا! في مقابل حماسة الملكية العتيقة للتغيير في سوريا، نقل الزهراني مشاهد تعليق صورة الملك سلمان في المدارس السعودية ومبايعة الطلاب له.
سبق للملك أن طالب شعبه بمحاكمته إذا أخطأ، لكن في الحقيقة التي يعرفها الجميع ويسكت عنها الإعلام أنّ من يتكلّم عن الفساد أو الإصلاح مصيره السجن. في الوقت نفسه، أصبح التطبيع مع العدو الإسرائيلي وجهة نظر. لتأكيد كلامه، أعاد الزهراني نشر مقاطع لمقابلة الجنرال السعودي السابق أنور عشقي على التلفزيون العبري، سائلاً عمن يدعم نشاطاته حول العالم ولقاءاته العلنية مع الإسرائيليين؟
أما الحلقة الثانية، فحملت عنوان #مو_وقته_ياحلو. أكمل فيها الزهراني بحث نفوذ العائلة الحاكمة ومشكلة الإسكان، وداعش، وصولاً إلى الحرب على اليمن التي تم بسببها تأجيل حركة التنمية في البلد. كل ذلك بحجة أنّ الزمن زمن حرب و«مو وقته» الحديث عن التنمية.
حملنا الزهراني إلى الستينات حين قرّر النظام تجميد الزمن، لكن يومها بحجة محاربة القومية وعبد الناصر والشيوعيين، قبل أن تبدأ مهمّة مكافحة الثورة الخمينية في السبعينات، ثم تنشغل الدولة في الثمانينات بدعم صدّام حسين و«الجهاد» الأفغاني، لتخُصّص التسعينات لمحاربة الحليف السابق صدّام. مع قدوم الألفية الجديدة، لم يحن وقت الإصلاح بسبب ظهور تنظيم «القاعدة» وبدء الحرب على الإرهاب المستمرة حتى اليوم. في 2011، بدأ التبشير بقدوم «الربيع العربي»، لتعود نغمة «مو وقته» الإنشغال بـ «تفاهات» الإصلاح.
اليوم وقد فتحت السعودية جبهات، بما فيها دعم الديكتاتوريات العربية ومحاولة تثبيتها بمليارات الدولارات، سيبقى برنامج عمر عبد العزيز الزهراني حاضراً لرصد كل هفوة يعرف جيّداً كيف يفكّكها لصالحه، وضد النظام المستمر في مواصلة العمل على «فتنة» جديدة مقبلة لا محالة.