حتى مساء أمس، كانت سبع شركات قد سحبت دفتر الشروط الخاص بمناقصة «تلزيم مشروع تحديث وتطوير وتشغيل المحطات الموجودة للمعاينة والكشف الميكانيكي وأعمال تصميم وبناء وتجهيز محطات جديدة». تتوزع هذه الشركات بين جنسيات فرنسية وسويسرية وإسبانية وبلجيكية وسويدية.
إلا أن كل شركة منها تستند الى وكيل (أو شريك) محلي يتصل بشكل أو بآخر بمواقع القرار في إدارة الدولة، كما هي حال شركة «فال» السعودية ــ البلجيكية المشغّلة لهذا المرفق العام حالياً. المعروف أن اللاعب الفعلي في مثل هذه المناقصات هو اللاعب المحلي، وغالباً هو الذي يبحث عن شريك أجنبي ليستوفي شروط المشاركة في المناقصة أو يفرض نفسه شريكاً على إحدى الشركات الأجنبية المهتمة كشرط للفوز. وفي كل الحالات، لا يكون دفتر الشروط إلا وسيلة لتفصيل المناقصة على قياسات معينة تضمن الفوز لهذا أو ذاك، أو تقلّص هامش المنافسة لتكون بين عدد محدد من الشركات.
انطلاقاً من هذا الواقع المعروف، ونتيجة الظروف السياسية القائمة وصعوبة التوافق بين مراكز القرار، عمدت إدارة المناقصات الى تأجيل موعد فضّ عروض المناقصة المذكورة من 26/11/2015 إلى 18/1/2016. وبحسب مذكرة صادرة عن إدارة المناقصات (الرقم 30/2015)، فإن التأجيل يستند الى كتاب النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة (رقم 111 تاريخ 10/11/2015) وكتاب هيئة إدارة السير والآليات والمركبات (رقم 20450/3 تاريخ 9/11/2015) وتقريريها حول سير المناقصة، كذلك يستند التأجيل الى كتابين واردين من شركتين عارضتين تطلبان بموجبهما تأجيل موعد إجراء المناقصة كي تتمكنا من تحضير عرضيهما.

حكيم يتهم
إدارة السير ووزارة الداخلية بتزوير بعض بنود دفتر الشروط

توضح مصادر مطلعة أن التأجيل سبقته اتهامات بتزوير دفتر الشروط. هذه الاتهامات بيّنت وجود صراع بين وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير الاقتصاد ألان حكيم. الأخير وجّه اتهامات لهيئة إدارة السير ووزارة الداخلية تفيد بأن بعض بنود دفتر الشروط لا تتطابق مع البنود التي أقرّها مجلس الوزراء، وتحديداً ما يتعلق بشرط حصول الشركة العارضة على شهادة الإيزو 17020. ذهب حكيم بعيداً في اتهاماته، فوجّه شكواه في اتجاهات مختلفة. أرسل كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يبين ما يعتبره تزويراً في البنود، وأرسل إخباراً إلى التفتيش المركزي، وإخباراً أيضاً إلى النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة.
استناداً إلى كتاب حكيم، طلبت النيابة العامة لدى الديوان من وزير الداخلية التريث وعدم السير في المناقصة، ثم راسلت إدارة المناقصات وأبلغتها بكتابها الموجّه إلى وزير الداخلية. لاحقاً، تلقّت النيابة لدى ديوان المحاسبة شرحاً من وزير الداخلية حول قصّة البنود وأبرز الإثباتات التي يملكها حول عدم وجود تزوير في هذه البنود وتطابقها مع ما أقرّه مجلس الوزراء.
في هذا الوقت، اشترت سبع شركات دفتر الشروط. شركتان منها، وهما شركة «فال» التي تقوم حالياً بتشغيل محطات المعاينة، وشركة «بيرو فيريتاس». هاتان الشركتان وجّهتا كتابين إلى هيئة إدارة السير تطلبان منها تمديد مهلة تقديم العروض، نظراً إلى حاجتهما إلى المزيد من الوقت لإيجاد طريقة تستوفي الشروط، وخصوصاً الشرط المتعلق بشهادة الإيزو 17020، الذي يعدّ تحقيقه «صعباً» نسبياً.
انطلاقاً من كل ذلك، أصدر المدير العام للمناقصات جان العلية مذكرة رقمها 30/2015، تستند الى الكتب والمراسلات والتقارير المذكورة أعلاه، وتستند الى أحكام البند 9-3 من المادة التاسعة (ص13)، من دفتر الشروط الخاص بالمناقصة، وتقضي بتأجيل موعد فض العروض الذي كان محدداً بتاريخ 26/11/2015 إلى تاريخ 18/1/2016، وذلك «حرصاً على اعتبارات العدالة والمنافسة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتمكيناً لأكبر عدد من العارضين من تحضير عروضهم والاشتراك في المناقصة»، بحسب ما جاء في نص المذكرة، على أن «تقدم العروض إلى قلم إدارة المناقصات قبل الساعة الثانية عشرة من آخر يوم عمل يسبق تاريخ جلسة التلزيم».
لم يثر القرار استغراب بعض الشركات المشاركة في المناقصة، بل كان موضع ترحيب، إذ إن غالبية الشركات المهتمة ترغب في المنافسة. الشركة المشغلة حالياً «فال» ترى أن الإيفاء بشرط الإيزو صعب جداً، وخصوصاً أن هذا النوع من الشهادات ليس ضرورياً لهذا النوع من الأعمال. ولذا يسأل رئيس مجلس إدارة الشركة وليد سليمان عن سبب وضع هذا الشرط في المناقصة، وعما إذا كان الهدف تفصيل المناقصة على قياس إحدى الشركات، إذ إنه معروف أن تضييق الشروط يحدّ من المنافسة بين الشركات، في حين أن توسيع الشروط يسمح بالمنافسة أكثر والحصول على سعر أدنى.
في المقابل، تقول مصادر إحدى الشركات المشاركة في المناقصة، إن هذه المناقصات ترفع مستوى التحدّي، لأن الأسعار المفروضة على أصحاب السيارات كبدل للمعاينة، ارتفعت بعد ثلاث سنوات من فوز الشركة المشغلة الحالية من 13 دولاراً إلى 22 دولاراً من دون أن يتبيّن السبب، علماً بأن الشركة الحالية فازت على أساس السعر الأدنى وأقصت الشركات المنافسة على هذا الأساس.
وتسأل مصادر في شركة أخرى عن سبب استمرار الشركة الحالية لفترة 15 سنة نصفها بالتمديد وبلا مناقصة... وتقول مصادر شركة رابعة إنها سمعت عن وجود اتفاق بين جهات نافذة في وزارة الداخلية وشركة سحبت دفتر الشروط، ولذلك فهي ستقدّم أسعاراً متدنية جداً.
القصّة أصبحت حرب أسعار، وخصوصاً أن 5 من بين الشركات السبع التي سحبت دفتر الشروط تلبي شرط الإيزو المطلوب.
على أي حال، ليس مفهوماً لماذا قرّر مجلس الوزراء إجراء مناقصة لتلزيم المحطات والتشغيل، علماً بأن هذا المرفق العام يمكن أن يدار مباشرة من قبل الدولة، التي يفترض أن تستردّ المحطات عملاً بعقود التلزيم السابقة.