خلافاً لانتخابات «كازينو لبنان» الشهر الفائت اذ عكست النزاع المحموم بين الرئيسين نبيه بري وميشال عون، أتت نتائج انتخابات نقابة المحامين في بيروت الاحد تترجم مرحلة جديدة في العلاقة بين الرجلين، ومحاولة طي صفحة ما خبراه اخيرا. في انتخابات «كازينو لبنان»، على هزال اهميتها ومغزاها السياسي، اظهرت وطأة تشنج لم يخلُ لاحقاً من تبادل اتهامات بين حركة امل والتيار الوطني الحر كما لو انهما بلغا خط اللارجوع: اصطفافات مثيرة للاستغراب في توقيت سياسي مربك عبّر ائتلاف الحركة مع القوات اللبنانية التي اضحت في المواجهة التالية رأس حربة في معركة انعقاد مجلس النواب.
فاذا انتخابات نقابة المحامين تتلاعب مجدداً بالتحالفات لتضع حركة امل والتيار الوطني في خانة دعم مرشح قوى 8 آذار ضد مرشح القوات اللبنانية. على الطريقة اللبنانية كانت تحالفات انتخابات «كازينو لبنان» خليطاً عجيباً من قوى 8 و14 آذار اتخذت بعداً مناطقياً، على جاري العادة، من غير ان تخلو من انفاس سياسية. على طرف نقيض منها، كانت انتخابات نقابة محامي بيروت بين اصطفافي 8 و14 آذار. بيد انها انطوت على اكثر من انتخابات نقابية. على الاقل بالنسبة الى حركة امل والتيار الوطني الحر مذ اجتازا امتحان الاربعاء الماضي.
بل يذهب مطلعون على علاقة رئيس مجلس النواب برئيس تكتل التغيير والاصلاح الى القول ان انتخابات الاحد ليست الا رأس جبل جليد يتناول ــــ بكثير من التكتم ــــ جوانب اخرى تفاهما عليها للمرحلة المقبلة بغية وقف انهيار علاقة الحليف بحليف الحليف. كان حزب الله في قلب هذا المسعى، رغم ان تسوية التئام مجلس النواب اتت من الرئيس سعد الحريري.
اكثر من سبب ضاعف في حدة الخلاف بين بري وعون في المدى القريب على الاقل، وخصوصاً حيال اجتماعات مجلسي الوزراء والنواب: يحضر وزيرا بري ويقاطع وزراء تكتل التغيير والاصلاح. كذلك حال مجلس النواب في مواعيد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية وفي الجلسات العامة. اضف ان الرجلين اختلفا مرة تلو اخرى على تعريف الميثاقية، ناهيك بتناقض حاد في مقاربة كل منهما قانون الانتخاب واصرار عون على ادراجه في جدول اعمال جلسة عامة، بينما يترجح بري بين اقران قانون الانتخاب بتوافق سياسي مسبق يتيح اقراره وبين ملاقاة فريق نيابي يقول بارجاء بت القانون الى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية.

خلافاً لـ«كازينو لبنان» عكست انتخابات محامي بيروت تعاون بري ـ عون



إختبر بري مع عون الميثاقية مرتين على التوالي، افضت الى نتائج مخيّبة: اولى في جلسة التمديد الثاني للبرلمان في تشرين الثاني 2014 عندما اتفق الرجلان على مشاركة عون فيها على ان ينسحب منها رفضاً للتمديد ــــ وهو موقفه المعلن ــــ ويعقد على الاثر مؤتمراً صحافياً يؤكد مناوءته له. ذهب تفاهمه مع بري حينذاك الى ابعد من ذلك، بأن يتقدم عون بطعن لدى المجلس الدستوري في قانون تمديد الولاية. ما توخاه بري من هذا التفاهم حضور رئيس التكتل ونوابه بغية توفير مظلة ميثاقية لجلسة تمديد كان يرفضه معظم الافرقاء المسيحيين لئلا يقع في غيابهم. بيد ان عون قاطع الجلسة بلا سابق انذار، ما حمل بري على الاستعانة بنواب القوات اللبنانية لامرار ميثاقيتها، من دون ان يشكو في اي حال من مشكلة نصاب قانوني، شأن ما حدث اخيراً. في ما بعد مرّ مفهوم الميثاقية بخلافات الرجلين، اذ راحت تعني عند عون المشاركة المسيحية في الحكم واستقرت على قانون الانتخاب، الى ان قرر بالتضامن مع القوات اللبنانية في الاسبوعين المنصرمين مقاطعة جلسة البرلمان.
اما ما احاط بتسوية الاربعاء، في الساعات القليلة التي سبقت انعقاد البرلمان، وبلغت ذروتها ــــ قبل ادلاء الحريري من الرياض ببيانه ــــ في المكالمة الهاتفية الاولى منذ وقت طويل بين بري وعون:
1 ــــ تهيب الافرقاء جميعاً بلا استثناء مصير جلسة تنعقد بنصاب قانوني، الا انها تشهد للمرة الاولى غياب الافرقاء المسيحيين الرئيسيين. بذلك لا يكتفي انعقاد المجلس بتسجيل سابقة غير مألوفة بتداعياتها، بل تضع البرلمان على طريق انقسام خطير، اذ يقف حزب الله وتيار المستقبل جنباً الى جنب مع رئيس المجلس بالاصرار على عقد الجلسة والتشريع وجهاً لوجه مع الفريق المسيحي العريض.
2 ــــ بالتأكيد كسب رئيس المجلس انعقاد الجلسة وتمسكه به وبجدول الاعمال بلا تعديل، الا انه سلّم في المقابل بفك الارتباط بين انتخاب الرئيس وإقرار قانون جديد للانتخاب. العقبة التي كانت تجبه عون كلما نادى بالقانون، فحضوه على الانسحاب من الاستحقاق الرئاسي والفسح في المجال امام انتخاب رئيس للجمهورية، توطئة لاقرار قانون انتخاب جديد. بات الاستحقاقان الآن متساويين في الفرص وفي منزلة الاولوية لدى مجلس النواب.
3 ــــ لا يعدو تعهد الحريري عدم المشاركة في اي جلسة عامة لا تدرج بنداً وحيداً هو قانون الانتخاب سوى وضع البرلمان على طريق المجهول، في ما تبقى من العقد العادي الثاني حتى نهاية السنة، وفي العقد العادي الاول في آذار المقبل. بل نعى سلفاً اي محاولة للخوض في مرسوم عقد استثنائي للمجلس. تكمن المشكلة في قانون الانتخاب لا في جدول اعمال الجلسة العامة او التئام الجلسة نفسها. اذ ان اياً من الافرقاء بلا استثناء لا يقارب قانون الانتخاب على انه استحقاق دستوري دوري، ولا يستعجله حتى، مقدار ما يجد فيه احدى ادوات الصراع على توازن القوى الداخلي المرتبط بدوره بما يجري في الجوار السوري على الاقل.