قبل أيام، نشر شخص من منطقة مرجعيون، على صفحته على «فايسبوك»، صوراً لأنواع من الصقور البرية التي استطاع صيدها. يؤكد وليد (اسم مستعار) لـ»الأخبار» أن «ما فعله إنجاز شخصي، لأن هذه الطيور تصطاد الحيوانات الداجنة في بعض المنازل النائية، رغم أن لحمها لا يؤكل». ويلفت الى أن العديد من أبناء المنطقة يتبارون في صيد هذه الطيور، حتى إن طيور البجع يجري صيدها أيضاً «فقط للتباهي».
لا يهتم الشاب بقانون يمنع صيد هذه الطيور، فـ»لا أحد يراقب هذه المخالفات رغم وجود عدد كبير من المواطنين الذين يصطادون هذه الطيور».
بعد الاعتداءات المتكررة على الطيور الجارحة والحيوانات البرية، أصدرت وزارة البيئة بياناً يفيد بأن «الطيور الجارحة الكبيرة والمتوسطة الحجم يمنع صيدها عالمياً، لأن معظمها أنواع مهددة بالانقراض ومدرجة على لائحة الاتفاقات، وهذه الطيور لها أهمية إيكولوجية عالمية وصيدها يخل بالتوازن البيئي». وحذرت من «هذه الممارسات التي تعرض أصحابها للملاحقة القانونية التي تشمل السجن، إضافة إلى الغرامات المالية الكبيرة».
لا يعلم محمد (23 عاماً) بقانون الصيد البري ولا ينتبه الى أن «قتل بعض أنواع الطيور أو الحيوانات يساهم في تدمير البيئة الطبيعية». يبرر هذا الأمر بأنّ «مثل هذا العمل لا يساوي شيئاً بالنسبة إلى المخالفات الكثيرة التي ترتكب في لبنان، حتى إن أحداً لم يوجه إلينا أي تنبيه أو إنذار أو تحذير».
إلا أن مخاطر غياب المراقبة والتنظيم لا تمس البيئة فقط، بل تطال المنازل المحيطة بأماكن الصيد. ثلاثة حوادث على الأقل تم تسجيلها في المنطقة نفسها خلال الأشهر الفائتة، أدت الى إصابة ثلاثة أشخاص عن طريق الخطأ، وأثناء ممارسة هواية الصيد. أحد هؤلاء توفي، والثاني فقد بصره، أما الثالث فجرت معالجته. يتحدث إبراهيم ( 50 سنة) عن حادثة حصلت مع ابنه عندما كان بعض الأشخاص يصطادون بالقرب من منزله، لتصيب إحدى الرصاصات طفله البالغ من العمر ثلاث سنوات في كتفه. يقول «كان يمكن للرصاصة أن تصيب وجه الطفل». بالرغم من هذا، لم يشتك الوالد الى القوى الأمنية. برأيه، إن «الأمر لن يفيد، فالذين يحملون بندقياتهم غير المرخصة ويصطادون بشكل مخالف للقانون أمام الجميع وفي منطقة يمنع الصيد فيها أصلاً، لا يحاسبهم أحد، حتى إن بعض الصيادين المعروفين ينتمون الى قوى الأمن الداخلي».

يُسجّل أكثر من 300 إصابة سنوياً بسبب الصيد العشوائي


يفيد جمال قشمر، من بلدة رب تلاتين، بأن «القوى الأمنية لا تعمل على تطبيق قانون الصيد البري في المنطقة، ولم نشاهد يوماً أي دورية تراقب الصيادين أو الذين يحملون أسلحة صيد غير مرخصة»، باستثناء جنود الجيش اللبناني الذين يوقفون من يشاهدونه حاملاً بندقية في الأماكن القريبة من وجودهم. ويلفت قشمر الى أن «المشكلة لا تتعلق فقط بالاصابات الخاطئة الناجمة عن ممارسة الصيد في الأماكن التي يمنع الصيد فيها، بل أيضاً بالقضاء على الكثير من الحيوانات والطيور المفيدة، كان آخرها في الأيام الماضية عندما قُتل أكثر من ثلاثة ضباع وخنزير بري كبير معروف أنه يساهم في تنظيف المنطقة من الأوساخ». يقوم قتلة الضباع البرية بعرضها في الساحات العامة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، متباهين بـ»إنجازهم». يرى أحمد سلامة، من بلدة عيترون، أن «أبناء المنطقة لا يعرفون فوائد الحيوانات البرية، حتى إنهم يعتبرون الضباع والخنازير مضرّة ومخيفة ويجب قتلها». ويرى الناشط البيئي فادي سرحان أنه يجب توعية الأهالي على «خطورة القضاء على الضباع التي باتت نادرة الوجود في مناطقنا، إذ إنها تساهم في تنظيف البيئة من الجيف والنفايات والحشرات الضارة التي من شأنها تلويث التربة والمزروعات».
في هذا الإطار، تعمد إدارة محمية وادي الحجير على «إحصاء عدد وأنواع الحيوانات والطيور التي تعيش في المحمية، وتوثيق كل الأصناف الموجودة». يقول مدير المحمية حسن زراقط إن «إدارة المحمية استطاعت إحصاء 85 نوعاً من الطيور التي تم تصويرها والتعرّف إلى فوائدها، إضافة الى أنواع كثيرة من الحيوانات الثدية وغير الثدية»، لافتاً الى أنه «سيتم التثبت لاحقاً من أنواع الفصائل الموجودة وأماكن انتشارها وأعدادها ومدى تأثرها بالعوامل البيئية المحيطة، لكن هذا يحتاج الى التمويل وإلى أهل الخبرة والاختصاص». وفي ما يتعلق بأساليب المكافحة المعتمدة للصيد البري، يشير زراقط الى «مشكلات تعتري عملية مراقبة المعتدين على الحيوانات والطيور، أهمها وجود عنصرين فقط مكلفين بمتابعة هذه الاعتداءات وضبطها في المحمية التي يبلغ مداها 26 كلم مربع. أما المشكلة الأبرز، فهي عدم قدرتنا على منع الصيادين في الأماكن القريبة من المحمية، ما يؤدي الى القضاء على المزيد من أنواع الطيور والحيوانات في المنطقة». ويشير زراقط الى أن إدارة المحمية تقوم أخيراً «بإنشاء المعارض الإرشادية المتنقلة ضمن حملة «عصفور عالشجرة ولا عشرة بالإيد»، في القرى والبلدات والمدارس والجامعات، لتوعية الأهالي على المخاطر الكبيرة الناجمة عن الصيد العشوائي».
يقول سرحان إن قانون الصيد البري في لبنان يحرص على المحافظة على الموارد الطبيعية والتوازن البيئي وينظم أوقات الصيد، أمّا رخص الصيد فيجب ألا تمنح إلاّ للمحترفين الذين يعرفون مبادئ الصيد وقانونه، لا أن يبقى الصيد عشوائياً كي تستخدم أسلحة الصيد بشكل خطر على البيئة والأهالي. فقد أثبتت الإحصاءات «وقوع أكثر من 300 إصابة سنوياً، بين قتيل وجريح، بسبب الصيد العشوائي».