في اللقاء الشهري الأخير بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومجلس إدارة جمعية مصارف لبنان، دار نقاش في قضية استجدّت لدى المصارف اللبنانية العاملة في العراق (10 مصارف). الجمعية أثارت هذا الموضوع مشيرة إلى أنها تلقت كتاباً من البنك المركزي في بغداد (وتلقى مصرف لبنان كتاباً مماثلاً) يعلمها فيه أن فرعيه في إربيل والسليمانية لم يعودا مرتبطين به إدارياً أو تنظيمياً أو مالياً، بل بوزارة المال في الإقليم، وأنه لا يعترف بالمبالغ المودعة لديهما بالدينار أو بالدولار.
يشير محضر اللقاء (رقم 369) إلى أن المصارف اللبنانية تودع لدى فرعي البنك المركزي في المدينتين المذكورتين نحو 90 مليون دولار، وبالتالي «ستضطر، إذا لم تعالج المشكلة قبل نهاية العام، إلى تكوين مؤونات عليها». هذا الوضع أثار تساؤلات واسعة لدى المصرفيين عن «أفق العمل المصرفي في العراق خاصة أن البنك المركزي العراقي يفرض زيادة كبيرة على رساميل المصارف الخاصة في مهلة تنتهي في شهر حزيران 2016».
وبحسب المعطيات المتداولة بين المصرفيين، فإن المصارف اللبنانية تحمل سندات دين سيادية من فروع المصرف المركزي في اربيل والسليمانية، وهي تمتنع عن دفع متوجباتها لحاملي السندات، وهو ما دفع المصرف المركزي في بغداد إلى إبلاغ المصارف التي تحمل سندات الدين هذه، أن فروعه في الإقليم المذكور لم تعد تتبع له بل تتبع لسلطة الإقليم التي يجب مطالبتها بالدفع.
بالنسبة للمصارف اللبنانية، فقد بات عليها أن تسجّل هذه المبالغ غير المحصلة ضمن قائمة الديون المشكوك بتحصيلها، وبالتالي بات لزاماً عليها أن تقتطع من أرباحها مؤونات احتياطية مقابل هذه الديون، وهو ما سينعكس على ربحيتها. وجاءت هذه المشكلة فوق مجموعة من المشاكل التي تعاني منها المصارف اللبنانية العاملة في العراق. ففي الفترة الماضية، عانت المصارف من مشكلة الغرامات الجماعية التي فرضت على المصارف الخاصة في العراق بسبب توظيفات يشتبه في أن بعضها غير موثوق أو فيه تزوير. ورغم أن المصارف طلبت من المصرف المركزي في بغداد التدقيق في عملياتها وفرض الغرامات على كل ما يظهر فيه تلاعب أو تزوير فقط، إلا ان السلطات العراقية أصرّت على فرض غرامات بالجملة تساوي بين كل هذا النوع من التوظيفات.
قبل ذلك، كان المصرف المركزي في بغداد قد فرض على المصارف الخاصة العاملة هناك، وبينها المصارف اللبنانية، زيادة إلزامية على رأس المال إلى 70 مليون دولار بالحدّ الأدنى مقابل فتح عدد غير محدود من الفروع. هذه الخطوة هي نتاج الحملة التي قادتها المصارف العراقية الخاصة من أجل منع المصارف الأجنبية من منافستها. إلا أن الاتصالات التي أجريت من لبنان أفضت إلى التخفيف من وطأة القرار وخفض الزيادة الإلزامية من 70 مليون دولار إلى 50 مليون دولار، فيما بقيت الإجازة للمصارف بفتح عدد غير محدد من الفروع متاحة.
وتأتي هذه الضربات في سياق الانتقادات الواسعة للعمل المصرفي في العراق حيث فرضت السلطات تقديم ضمانات مقابل التسليفات، رغم أن القوانين تمنع تملّك الأجانب في بغداد، وهذا يعني أن أيّ تسليف مقابل رهن عقاري لا يتيح للمصرف الأجنبي استرداد العقار في حال التخلّف عن السداد. وفي بعض الحالات تحتسب الضمانات على بعض العمليات المصرفية بالدينار العراقي، ما يربك المصرف الذي ينفّذ العملية بسبب فروق أسعار الصرف، ويضع عليه مخاطر مرتفعة. أما بالنسبة إلى العمليات الائتمانية، فإن العمل الاساسي للمصارف في العراق يتعلق بالمضاربة على العملة، لأن التداول بالعملات الأجنبية ممنوع إلا بإجازة من السلطات الرسمية، وهو ما يعيق فتح خطوط الائتمان ويدفع المصرف للدخول في عمليات مضاربة على العملة.