في مكاتب المسؤولين غير الحكوميين، تسمع الكلام الروسي الأكثر وضوحاً وتفصيلاً وصراحة ومكاشفة. يبدأ المسؤول الكبير حديثه بالبديهيات: نحن نعرف ونؤمن بأن الإرهاب لا جنسية له ولا دين. لكن الأهم أننا لم ولن نتفاوض مع الإرهابيين. كل ما نقوم به حيالهم هو أمران اثنان: تحديد هويتهم، وإعطاؤهم فرصة للاستسلام.
يتابع المسؤول الروسي المعني بأوضاع السياسة العالمية بدقة وعن كثب: نحن نريد تعاوناً بين مختلف مكونات المجتمع الدولي لمحاربة المجموعات الإرهابية. وانطلاقاً من هذا المبدأ، لبينا طلب سوريا ورئيسها الدستوري والشرعي للمشاركة في حربه ضد الإرهابيين. وذلك من أجل تحسين فرص الانتصار على الإرهاب وضربه. لكن مع ذلك، نحن ندرك أن الجيوش لا تصنع الحلول السياسية. لكن الحروب تساعد كثيراً على صناعة الحوافز وصياغة السياقات اللازمة لتحقيق المسارات السياسية. نحن نعتقد بأن وجودنا في سوريا ومشاركتنا في معركتها ضد الإرهاب يمكن أن يرفعا حظوظ النجاح في عملية فيينا نفسها، عبر تحفيز المعارضة للتفاوض. يبتسم المسؤول الروسي الكبير، قبل أن يعلن: لذلك نقول إن مشاركتنا في الحرب في سوريا ستكون محدودة في الزمن. لكن لا في النتائج. سنساهم في إطلاق مسار سياسي، وسنتحدث مع كل من هو مستعد للمساهمة في بناء مستقبل مستقر لسوريا. لكننا لن نقبل بالفوضى هناك. منذ جنيف الأول سنة 2012 ونحن نقول بعدم استبعاد أحد. لكن عدم الاستبعاد لا يعني الخضوع لابتزاز أي كان.
قبل أيام، يتابع المسؤول نفسه، زارني مسؤول غربي معني بملف حساس في منطقة المشرق. كنا نتحدث عن سوريا، حين قال لي: نحن نعرف أنكم تريدون أن تكون القيادة لكم في هذا البلد. لكنني أجبته فوراً: بل نريد النتيجة، لا تهمنا المراكز ولا المراتب. لسنا وأنتم هناك في ألعاب أولمبية. لا ذهب هناك ولا فضة ولا برونز. هناك إرهاب وإرهابيون. وعلينا ضربهم وهزيمتهم. لأنه في هذه الأثناء، الأبرياء يدفعون الثمن. في سوريا وفي لبنان والآن في فرنسا وفي شرم الشيخ. نحن لا ننتج في سوريا فيلماً هوليوودياً. نحن نعرف هناك من يقف خلف الإرهابيين. نعرف ذلك كما تعرفون أنتم، منذ أفغانستان وطالبان.
لكن، يتابع المسؤول الروسي، للأسف أن البعض في الغرب لم يدرك بعد عمق ما نقوله. هناك من يعتقد في بعض عواصم الغرب بأن الفرصة أمامه الآن «كي تموت روسيا نازفة مستنزفة». فتحوا لنا جرح أوكرانيا. وفتحوا جرح سوريا. والآن هناك تحضير نرصده لفتح جبهة ثالثة لروسيا. هناك تحضير لمعركة أخرى على حدودنا في آسيا الوسطى. هناك تحضير يومي لتحريك مجموعات إرهابية ضدنا وضد حدودنا، في طاجيكستان وتركمانستان. ونحن نتابع تلك المساعي عن كثب.
أصلاً، يتابع المسؤول نفسه بجدية استثنائية، حين بدأنا نعد لمشاركتنا في سوريا منتصف الصيف، لم تكن استعداداتنا سرية. أصلاً لا يمكن لأحد اليوم أن يخفي أي حركة بهذا الحجم. في تموز، كانت اسرائيل أول من رصد حركتنا تلك. فتابعنا مسلسل ردود الفعل، لأنه مهم جداً على الصعد السياسية والأمنية والعسكرية بالنسبة إلينا. نقلت تل أبيب معلوماتها عن تحركاتنا إلى واشنطن. لكن أي رد فعل لم يصدر من هناك. وصلت معطيات تحضيراتنا العسكرية إلى أوروبا. أيضاً هنا لم تصدر أي كلمة. صار الموضوع شائعاً على مستوى قيادات الدول. حتى بلغ أوكرانيا. فخرج رئيسها بكلام ينتقد استعدادنا للمشاركة عسكرياً في سوريا. لكن المفاجأة كانت أن أي وسيلة إعلامية غربية لم تهتم بقوله. على عكس عادة الإعلام الغربي في التعامل معه ومع مواقفه. كان الصمت هو المطلوب حيال استعداداتنا للذهاب إلى دمشق. عندها فهمنا اللعبة. أرادوا تشجيعنا على الخطوة. لا بل قصدوا السكوت عنها كلياً. لماذا؟ لأنهم اعتقدوا بأنهم يستدرجوننا إلى رمال متحركة. أننا نتورط في مستنقع سوريا فلا نخرج منه. ومع ذلك، أكملنا مخططنا. أقول ذلك لأدلل على أننا واعون لكل مخاطر مشاركتنا في سوريا. ولكل ما يخطط لنا هناك. وهذا ما زاد في تصميمنا، لا العكس. لذلك كان قرارنا بأن يكون وجودنا في معركة سوريا محدوداً في الوقت، كاملاً في النتائج.
لماذا اتخذنا هذا القرار؟ الأسباب كثيرة يشرح المسؤول الروسي: بشار الأسد أولاً ليس أحد أقربائنا. ولا كونه صديقاً أو حليفاً هو ما حدد وجهة قرارنا في الأساس. بل كونه رئيساً دستورياً شرعياً لدولة عضو في الأمم المتحدة. بداية نحن قررنا احترام وفرض احترام القانون الدولي. قررنا ألا نكرر خطأ ليبيا وخديعة ليبيا. ثم لأنها حرب ضد الإرهاب. ونحن ندرك نطاق هذه الحرب ومخاطرها وكلفتها المحتملة. من شرم الشيخ إلى قلب موسكو. هناك ثلاثة آلاف إرهابي يقاتلون في سوريا، من روسيا ومن بعض جمهورياتها الإسلامية. كما هناك بعض الإرهابيين من أصول سلافية حتى. إنهم يقومون بتجنيدهم في القرى وفي المدارس والجامعات. لكن في المقابل، كم من الإرهابيين ذهب من الشيشان؟ سبعة فقط. عدد لا يذكر. لماذا؟ لأن حربنا على الإرهاب نجحت هناك. ولأن السلطات التي حكمت هناك عرفت كيف تستأصل الإرهاب. هذا نموذج ناجح إذاً في مكافحة الإرهاب.
يبقى سبب آخر، يتابع المسؤول الروسي، لحربنا في سوريا. فما لم يكشفه بعض الغرب هو أن الإرهابيين وضعوا يدهم في جامعة الموصل على كميات من المواد المشعة. ولدينا معلومات موثوقة عن أنهم يعملون عليها لمحاولة إنتاج سلاح تدمير غير تقليدي، أو «القنبلة الوسخة» أو غير النظيفة، كما يسميها علماء النووي. هذا المعطى يشكل خطراً عالمياً يقتضي التحرك من قبل قوى العالم الحر بكامله، لضرب هؤلاء واستئصالهم قبل أن يضربوا هذا العالم. يختم المسؤول الروسي: إنها حرب العالم المتحضر كله، ونحن نخوضها مع من يريد من هذا العالم، دفاعاً عن كل العالم.