1. كذبة اضطهاد اليهود في العالم العربي
دأبت الآلة الإعلامية الصهيونية على الترويج الكاذب عن اضطهاد اليهود في الدول العربية قبل قيام إسرائيل عام 1948. والحقيقة أنّ اليهود لم يتعرّضوا لأي سوء في الدول العربية منذ أقدم العصور حتى القرن العشرين، إلا أنهم ذاقوا الاضطهاد في أوروبا، ليس فقط بسبب النازية في القرن العشرين، بل منذ أن أعلن البابا من الفاتيكان ضرورة عزلهم في غيتوات عام 1555.

أمّا في بلاد العرب، فقد ازدهر اليهود وكان لهم مراكز مهمة منذ الدولة العباسية وزمن هارون الرشيد وابنيه الأمين والمأمون، مروراً بالأندلس (إسبانيا) حتى سقوطها في القرن الخامس عشر. وعندما أقفلت أوروبا في وجوههم عام 1492، لجأ يهود الأندلس إلى المنطقة العربية. وعندما غزا جيش نابوليون فلسطين عام 1798، قاومه أحمد باشا الجزار وكان معاوناه الأساسيان في ولاية عكا يهوديين فلسطينيين هما شاوول فرحي وابنه حاييم اللذان تمكّنا من حشد حرفيي القدس لتدعيم تحصينات قلعة عكا. وفي عام 1843، كتب قناصل إنكلترا عن يهود دمشق أنّهم من الأثرياء ومنازلهم كالقصور، وأنّ من كبار تجار دمشق في تلك الفترة عائلة «نسيم»، مراد وفرحي ورافائيل نسيم حيث بلغ مدخول كل منهم مليوناً وخمسمئة ألف ليرة عثملية ذهباً سنوياً. ولقد تعجّب قناصل أوروبا في دمشق كيف أنّ مستوى عيش تجار دمشق اليهود أفضل من مستوى ملك إنكلترا.
أمّا سبب نجاح التلفيقات الصهيونية في غسل دماغ الناس في العالم الغربي، فذلك لأنّ شعوب أوروبا وأميركا الشمالية اعتادت السماع عن اضطهاد اليهود في أوروبا ومشاهدة الأفلام وقراءة الكتب عنهم، وباتت جاهزة للتصديق أنّهم كانوا مضطهدين أيضاً في البلدان العربية وأنّ العرب سيرمونهم في البحر.

2. كذبة أرض الميعاد

دأبت الآلة الإعلامية الصهيونية على الترويج لفكرة «العودة» أي عودة اليهود إلى فلسطين وأنّ ذلك مكتوب في العهد القديم من الكتاب المقدّس. وقد نجحت هذه التلفيقة، وخصوصاً في البلدان التي تتبع المذهب البروتستانتي ــ في أميركا وبريطانيا خاصة، حيث العهد القديم من الكتاب المقدّس يتخذ أهمية حيوية في العبادة. فبات دعم إسرائيل ينبع أساساً من عقيدة الناس الدينية في الغرب. لقد بدأت دعاوى أرض الميعاد في كتابات صهيونية مبكرة في القرن التاسع عشر، لكنّها كانت مبنية على خيال خصب وعلى معلومات خاطئة لدى مَن كتبها ومعرفة جزئية بالتوراة. فالإشارة إلى «العودة» جاءت فعلاً في الكتاب المقدّس، لكنّها كُتبت في مرحلة السبي البابلي أي عندما طرد «طَيطس» الحاكم الروماني في فلسطين اليهود إلى العراق عام 70 ق. م. وفي تلك الفترة، لم يشكّل يهود فلسطين سوى 15 في المئة من يهود العالم المنتشرين في غرب آسيا وأوروبا وشمال أفريقيا.
أنكرت الحركة الصهيونية وجود شعب فلسطيني أصيل على الأرض

ولقد سمح الفرس لليهود المسبيين في بابل «بالعودة» إلى فلسطين، ما يعني أنّ «العودة» التوراتية حصلت فعلاً ولكن في ذلك الزمن السحيق وليس لها علاقة بفلسطين اليوم أو بيهود أوروبا في القرن العشرين الذين لم يكن أجدادهم أصلاً في فلسطين أيام السيّد المسيح.
أمّا أساس الدعاوى الصهيونية فهو كلام شاعري نُشر عام 1840 في صحيفة Der Orient اليهودية الألمانية، وفيها خريطة المشرق العربي وعليها جزء مظلّل يمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل ــ شاملاً لبنان وفلسطين ومعظم سوريا وحتى ضفة نهر النيل في مصر شرق القاهرة. أي أنّ هذه الأرض ستكون أرض الميعاد كما جاء في ذلك المقال الخيالي. وهذه الخريطة نشرتها الصحيفة الألمانية قبل 56 عاماً من المؤتمر التأسيسي للحركة الصهيونية وذلك في مدينة بازل في سويسرا عام 1897.
أمّا الحقيقة التاريخية، التي قدّمها الباحثون وعلماء الآثار في الغرب، فهي أنّ يهود فلسطين وشرق الأردن قبل 2500 سنة كانوا 12 قبيلة عاشت في منطقة جبلية محدودة من الضفة الغربية والجليل ولفترة تاريخية معينة. ثم إنّ عشراً من هذه القبائل انقرضت وذهب نسلها فبقيت قبيلتان على جزء صغير من الضفة الغربية، وإنّ أبناء هاتين القبيلتين هم من نفاهم طيطس الروماني إلى بابل، ثم سمح لهم الفرس بالعودة في ما بعد. أمّا يهود القرن العشرين في إسرائيل، فهم مزيج إثني كبير مركّب من أوروبيين وآسيويين وأفارقة وعرب وأصول أخرى وليسوا أحفاد قبيلة يهوذا ولا ينطبق عليهم منطق أنّهم أحفاد سلالة أو عرق واحد.

3. كذبة الحركة المسالمة

بناءً على ما تقدم أعلاه، فقد دأبت البروباغندا الصهيونية على الترويج لكذبة أنّ الشعب اليهودي إنّما عاد إلى أرضه التاريخية فلسطين. والحقيقة أنّ المنظمة الصهيونية التي وقفت وراء هذا الترويج هي حركة استعمارية استيطانية أوروبية صعدت في أعوام 1897-1900 في أوج حقبة الاستعمار الأوروبي حول العالم. فجاء اليهود الأوروبيون البيض لاستيطان فلسطين، كما فعل الإنكليز في استيطان جنوب أفريقيا وأوستراليا ونيوزيلاندا ومناطق أخرى في العالم على حساب شعوب تلك البلدان الأصلية. والفارق كان أنّ الكيان الصهيوني مثّل النموذج الأسوأ من كل النشاط الاستيطاني الاستعماري في العالم. ذلك أنّ القوى الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا والبرتغال) قهرت شعوب أفريقيا وآسيا وأميركا واحتلت أوطانها، لكنّها تركتها وشأنها وزال الاستعمار. أمّا الحركة الصهيونية، فقد قهرت الشعب الفلسطيني وعملت دوماً على طرده من بلده وسلبه أملاكه. وهذا يعني أنّه خلال مئتي عام من الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، لا يوجد أي نموذج يضاهي ما فعلته المنظمة الصهيونية في فلسطين وشعبها.

4. كذبة أنّ الصهيونية مثّلت يهود العالم

في عام 1917، لم يزد عدد أفراد المنظمة الصهيونية العالمية على 250 ألفاً ــ وهي نسبة ضئيلة جدّاً قياساً بعدد اليهود في العالم آنذاك (12 مليوناً) والذين كانوا راضين بمعيشتهم في أوطانهم، أكانوا في أوروبا أم في أي مكان آخر، ولم تكن فكرة مغادرة أوطانهم والذهاب إلى فلسطين تسيطر على خواطرهم. وفي حزيران 1918، التقى حاييم وايزمان، زعيم الحركة الصهيونية، الأمير فيصل ابن الشريف حسين في لندن ووعده بأنّ الاستثمارات اليهودية في فلسطين ستكون مفيدة جداً للعرب وأنّ اليهود سيدعمون العرب في قضاياهم. لكن في اليوم نفسه، ألقى وايزمان كلمة في لندن أمام جمهور إنكليزي قال فيها: «نريد أن نجعل فلسطين يهودية كما هي إنكلترا إنكليزية». ثم أخذ يردّد في كل مكان «لليهود حق شرعي في امتلاك كل فلسطين»، حتى أصبح كلامه كأنّه مُنزّل في أذهان الرأي العام الإنكليزي والأوروبي عامة من دون مساءلة أو تفكير.

5. كذبة عدم أذية الشعب الفلسطيني

أنكرت الحركة الصهيونية وداعموها في أوروبا وجود شعب فلسطيني أصيل على الأرض. فقد بلغ ضغط اللوبي الصهيوني في إنكلترا أنّ قرار عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، الذي منح بريطانيا سلطة انتداب على فلسطين جاءت فيه كلمتا «يهود» و»صهيونية» 12 مرّة من دون الإشارة ولا مرّة واحدة إلى الشعب الفلسطيني الذي كان يشكّل عام 1920 أكثر من 93 في المئة من سكان فلسطين. وحتى في عام 1917 عندما كانت الخطة الصهيونية واضحة أنّها تسعى بالضبط لاحتلال فلسطين وطرد شعبها، كانت حكومات أوروبا تتظاهر بالجهل وكأنّها لا تعلم أنّ ما يفعلونه لدعم الصهيونية ومنها وعد بلفور المشؤوم سوف يجرّ المشرق العربي إلى مئة عام من الحروب والويلات وأنّ الجنّة الزراعية الموعودة لليهود في فلسطين ستكون مغسولة بدماء الشعب الفلسطيني البريء. وفي 29 تشرين الثاني 1947 مرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع تقسيم فلسطين، رغم تصويت دول آسيا وأفريقيا المستقلة ضد التقسيم، أي أنّ كيان إسرائيل فُرض بالقوة على عشرات الدول المجاورة وعلى شعب فلسطين الأصلي الذي وجد نفسه خلال جيل واحد خارج أرضه لاجئاً حول العالم.
* أستاذ جامعي