بورصة بيروت واحدة من أقدم البورصات العاملة في منطقة الشرق الاوسط. غير أنها تتسم بالضعف لجهة حجم التداول الذي لا يشكل حالياً أكثر مليوني دولار في مقابل 8,8 ملايين دولار عام 2006. ويرى عدد من الخبراء في الاسواق المالية أن البورصة لا تعكس، بهيكليتها الحالية، الصورة الحقيقية للاقتصاد اللبناني الذي يعتمد على التجارة والخدمات بنسبة 70%، إذ لا تدرج فيها أي مؤسسة سياحية أو شركة صناعية أو خدماتية، ولا تضم أياً من شركات التطوير العقاري (باستثناء سوليدير) رغم أن هذا القطاع أدى الدور الاهم في نمو الاقتصاد الوطني، لا سيما بين 2008 و2011 قبل الانخفاض الملحوظ لأسعار الشقق الذي نشهده حالياً.
كما فشلت البورصة في جذب أي من الشركات الأجنبية، وانخفضت قيمتها السوقية من 16 مليار دولار عام 2006 إلى 10,5 مليارات في 2013 قبل أن تعود وترتفع الى 11 ملياراً في 2015. ويعود هذا الارتفاع الجزئي الى إدراج المصارف اللبنانية أسهماً تفاضلية لتتمكن من التوسع في عدد من البلدان كدول الخليج العربي وقبرص ومصر والسودان وتركيا وسوريا والعراق واستراليا.


لو طبق القانون

الخبير الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية جهاد الحكيّم اعتبر أنه «لو طُبق القانون الرقم 161 الصادر عام 2011 بموجب تعميم مصرف لبنان والرامي الى خصخصة بورصة بيروت بعد سنة من انشاء هيئة الاسواق المالية (التي من شأنها ان تفصل عمليات التداول عن أجهزة الرقابة ويحق لها اعطاء التراخيص لانشاء بورصات جديدة) والى انشاء محكمة خاصة بالاسواق المالية ولجنة عقوبات، لكان بامكانها ان تتطور وتتخطى كل نقاط الضعف التي منعت نموها. لذلك، فان قرار انشاء بورصة جديدة سيفوت على بورصة بيروت فرصة الترقي الى المستوى المطلوب». وأضاف: «بورصة بيروت، بهيكليتها الحالية، مؤسسة عامة.
انشاء بورصة جديدة سيحجب
عن بورصة بيروت فرصة الترقي
إلى المستوى المطلوب

وبالتالي فهي تعاني من الجمود الذي يحدق بكل هيئات القطاع العام. حين يتم تخصيصها في المستقبل، الامر الذي لا محال منه، فإنها لن تحظى بالحجم الذي تتحلى به البورصة الجديدة، وبالتالي ستخسر بورصة بيروت فرصة لعب دور ريادي مفترض، وستتجه انظار الشركات والمؤسسات الاجنبية حكما إلى المؤسسة الحديثة. ورغم انه لن يكون هناك ادراج مزدوج للشركات، الا ان البورصة الجديدة ستكون أكثر شمولية وقوة. لذلك، كان من الاجدى إجراء الاصلاحات اللازمة على البورصة الحالية ثم خصخصتها لتكون البورصة الجديدة امتداداً لها وتحت مظلتها، خصوصاً أن حجم لبنان واقتصاده لا يستوعبان أكثر من بورصة».


بورصتان في زمن الدمج؟

تتنوع الآراء حول مكامن القوة التي ستحظى بها البورصة الجديدة، وقدرة منافستها لبورصة بيروت، بما انها ستمتلك كل الوسائل والمقومات لجذب الشركات الجديدة. عدد من الخبراء الاقتصاديين المطلعين يرون أنها ستدمر البورصة الحالية، فيما يقول آخرون ان البورصتين ستتكاملان في عملهما. وتكمن قوة البورصة الجديدة في سماحها للشركات بادراج سندات دين ما يسهل عملية تمويل هذه الشركات وتأمين تمويل اضافي خارج اطار المصارف ومن دون وساطتها، كما سيتم التداول فيها بسندات الخزينة، ما سيزيد السيولة ويسهّل فرص الاستثمار.
قد يكون من الطبيعي وجود أكثر من بورصة في الدول ذات الاقتصادات الكبيرة، كما هي الحال مثلا في الولايات المتحدة. لكن حجم الاقتصاد اللبناني المتواضع، في رأي خبراء، لا يحتمل وجود بورصتين. وفي وقت تندمج فيه البورصات في غالبية دول العالم التي تتمتع بحجم تداول ضخم كبورصتي دبي وأبو ظبي على سبيل المثال، سيعلن في بيروت عن انشاء بورصة ثانية!
ويرى أحد الخبراء الماليين «ان البورصة الثانية ستضعف البورصة الاولى بشكل كبير بما أنها ستكون مملوكة من قبل القطاع الخاص. لذلك لا بدّ من التساؤل: هل اضعاف بورصة بيروت أمر مقصود؟ وهل للمصارف نية بعدم تطويرها وتفعيلها؟ ومن سيشتري البورصة في حال عرضت للخصخصة؟ هل ستكون المصارف التي تمتلك السيولة الكبيرة؟».


ميزات جديدة

حتى الساعة لا يزال اسم الشركة التي ستدير البورصة الجديدة غير معلن، علما ان الهيكلية القانونية التي يعمل مصرف لبنان وهيئة الاسواق المالية على وضعها صارت في مراحلها الأخيرة. ويقول متابعون للملف إن البورصة الجديدة ستعمل وفقا لأحدث التقنيات المتبعة في هذا المجال.
عن هيكلية البورصة الجديدة يقول الحكيّم إنها «تتيح التداول بالعملات والمشتقات المالية والسلع، اضافة الى ادراج أسهم شركات غير مدرجة في البورصة الحالية. وهي ستكون بادارة شركة خاصة، وستحظى بهيكلية أكثر تطورا ومرونة.
فشلت البورصة في جذب أي من الشركات الأجنبية، وانخفضت قيمتها إلى 10,5 مليارات دولار في 2013

وستمكّن البورصة الرقمية الجديدة (التي لن تكون بورصة سوق للصكوك غير المدرجة) المستثمرين من القيام بعمليات البيع على المكشوف، وسيكون لديها توجه لتطوير الاعمال واعطاء تحفيزات لاستقطاب شركات جديدة في ظل الاصلاحات الكبيرة والتنظيمات التي قامت بها هيئة الاسواق المالية».
لا تنفي مصادر مطلعة في مصرف لبنان العمل على اطلاق بورصة جديدة قريباً. هذه الخطوة تأتي بعد محاولات كثيرة قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتطبيق القانون 161 وخصخصة بورصة بيروت لتصبح شركة متطورة، باءت كلها بالفشل. لذلك، وبسبب عدم الاحتكام للقانون، والعرقلة منذ عام 2012 وعدم استجابة السلطة السياسية لإنجاز هذا الملف، وفي ظل الاوضاع الراهنة، وعدم امكانية انعقاد مجلس الوزراء للبت في قانون الخصخصة، سيتم انشاء بورصة رقمية جديدة. ويؤكد المصدر، أنه بعد خصخصة بورصة بيروت ستحمل اسم «بورصة بيروت ش.م.ل»، فيما ستُترك مسألة تسمية البورصة الجديدة للمستثمرين.

الوسطاء الماليون

عدد كبير من الوسطاء الماليين يعبّرون عن عدم ارتياحهم لقيام بورصة ثانية كونها سترسم علامة استفهام كبيرة حول دورهم في المستقبل بما أن هيئة الاسواق المالية ستستأثر بعدد كبير من وظائفهم. ومنذ بضع سنوات، صدر القرار رقم 12 الذي يتيح للوسيط المالي اختيار اعتماد: اما هوامش المراسلين الذين يتعين عليهم تغطية الخسائر الناتجة عن التقلبات السريعة للسوق، لا سيما في حال حصول فجوات في الاسعار بهدف حماية كل من الوسطاء الماليين وعملائهم، وفي حال لم يتمكن الوسيط من اعتماد هذه الشروط، يمكنه اعتماد حد أدنى 2% كهامش من القيمة التعاقدية للعمليات على العملات الرئيسة و5% على العملات الثانوية.
وقبل فترة، صدر القرار رقم 17 عن هيئة الاسواق المالية الذي يمنح الوسطاء الماليين مهلة لتنفيذ «الاعلام 16» القاضي بتطبيق 20% من القيمة التعاقدية للعملات كهامش أولي. أما مع التداول الالكتروني التي ستعتمده البورصة الجديدة، فستعيد التداول بهوامش متدنية تصل الى 1% من الهامش التعاقدي بهدف منافسة الاسواق المالية العالمية. وهنا يكمن السؤال: ماذا سيكون مصير مؤسسات الوساطة المالية وموظفوها في لبنان في ظل الحقبة الجديدة؟