منذ أيّام هدد نائب تكتل التغيير والاصلاح سيمون ابي رميا بقطع المياه عن بيروت إذا لم تُستكمل أعمال مشروع سدّ جنة. يُدرج بعض المتابعين المعارضين للمشروع تصريح ابي رميا ضمن «الاستشراس» العوني للدفاع عن المشروع «الذي جرت المباشرة بأعماله سنة 2013 خلافا للقانون، وقبل دراسة تقييم الأثر البيئي»، وفق ما يقول رئيس الحركة البيئية بول ابي راشد، الذي يلفت الى أن «الاعمال في المشروع متوقفة منذ تاريخ صدور قرار وزارة البيئة».
وكانت الاخيرة قد اعلنت موقفها من المشروع في 31-8-2015 ، ولفتت الى أنه «لا يمكن الاستمرار في استكمال اعمال انشاء المشروع في ضوء المخاطر البيئية التي برزت».
إصرار العونيين على المشروع لا يُترجم عبر تصريح ابي رميا فحسب، بل ان مسار السعي الحثيث إلى انشاء السد استكمل منذ نحو اسبوعين، عندما «زار عدد من نواب تكتل التغيير والاصلاح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لاقناع الاخير بالضغط على محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل، لاعطاء الاذن لتنفيذ اعمال التفجير، بعدما اوعز وزير البيئة لفليفل بعدم اعطاء الاذن»، وفق ما يقول ابي راشد، مضيفاً: «اذا ما أعطي إذن التفجير فعلى الوادي السلام».
فعلياً، فان استكمال اعمال السد لا يتوقف على اعطاء اذن التفجير فحسب، بل يتوقف ايضا على قرار اجازة وزير الزراعة اكرم شهيب قطع الأشجار. فبعدما كانت وزارة الزراعة قد أجازت قطع اكثر من 33 الف شجرة حرجية لمصلحة إقامة السدّ في القرار الصادر في 3/9/2014، تراجع شهيب عن القرار في شهر تشرين الاول من السنة نفسها، وأصدر قرارا جديدا يقضي بتجميد الاجازة لغاية الانتهاء من إنجاز دراسة يُعدها الفنيّون لـ «تبيان الأعداد الحقيقيّة للأشجار ومدى تأثير إزالتها على البيئة في تلك المنطقة».(http://www.al-akhbar.com/node/217372).

480 ألف متر مربّع من المساحات الحرجية

في هذا الصدد، تتبنّى اللجنة الفنية في وزارة البيئة المعطيات والمعلومات المقدّمة في تقرير التقييم. وبحسب التقرير، فإن هناك «مساحات شاسعة من الاشجار الحرجية التي ستُقطع، والتي تقدّر مساحتها بحوالى 480 ألف متر مربّع»، الا ان اللافت هو ما يُشير اليه التقرير من تهديد جدي للتنوع الايكولوجي البالغ الاهمية، «فقد تبين وجود نحو 404 اصناف من النباتات، 739 نوعا من اللافقاريات، 6 انواع من البرمائيات، 32 نوعا من الزواحف، 140 نوعا من الطيور داخل الوادي»، كما بيّن التقرير وجود خمسة موائل طبيعية ذات اهمية ايكولوجية عالية ستتأثر سلبا، ويخلص التقرير في هذا الصدد الى انه «لا يمكن اتخاذ اي تدابير تخفيفية لتفادي الآثار البيئية السلبية».
لا يمكن اتخاذ اي
تدابير تخفيفية لتفادي الآثار البيئية السلبية


أما بالنسبة إلى كلفة التدهور البيئي الوارد في التقرير، فقد تبنت اللجنة الفنية ما جاء في هذا الجزء «لجهة الخسائر الكبيرة والعالية للإرث الثقافي والتاريخي والتنوع البيولوجي، التي قد تترجم بخسائر مادية تساوي ضعف فوائد المشروع». ووفقاً للمعطيات المقدّمة، «فقد تبيّن أن كلفة التدهور البيئي تقدّر بحوالى 42 مليون دولار أميركي سنوياً»، أمّا الكلفة، بحسب التقويم البيئي العلمي للأهمية البيئية لوادي نهر ابراهيم، «فقد قُدّرت بحوالى 101.5 مليون دولار أميركي سنوياً». اللافت أن كلفة هذا التدهور، بحسب التقرير، ستكون تصاعدية.
وإذا كان السبب الرئيسي للدفاع عن المشروع انه يدخل ضمن الخطة العشرية للمياه وهدفه توفير المياه لمناطق بيروت وجبيل وكسروان وغيرها من المناطق (من المتوقع ان يتسع لـ 38 مليون متر مربع)، فإن اللجنة الفنية اقرت انه لا يزال هناك تضاربا وتناقضا بين التقارير المتعلّقة بالنظام الهيدرولوجي لأرضية البحيرة ومحيطها، ولا سيّما تلك المتعلّقة بتسرّب المياه الجوفية واتجاهاتها في الطبقات الجوفية في الحوض الأعلى لنهر ابراهيم باتجاه الحوض الجوفي لنبع جعيتا.

تخزين 8 ملايين متر من المياه فقط؟

كانت الشركة الاستشارية الفرنسية العالمية SAFEGE خلصت الى أن الموقع المقترح للسد يتميز بطبيعة جيولوجية وهيدروجيولوجية معقدة لا تناسب إنشاء خزان مائي.
كذلك، وبحسب التقرير الصادر عن الوكالة الألمانية الرسمية BGR، المكلّفة من الحكومة الألمانية التعاون التقني مع لبنان في موضوع المياه، والصادر في 3 حزيران 2012، فإن نسبة التسرّب المائي للسدّ هائلة تراوح بين %35 و52 % وهي تبدأ من ارتفاع 800 متر حتى 860 متراً، والتسرب الأكبر بين ارتفاع 810 و820 متراً. وتصميم سد جنة هو لارتفاع 834 متراً كحد أدنى و839 متراً كحد أقصى. وبالتالي ففي ارتفاع يزيد على 810 أمتار يصبح التسرب حوالى 100%. وهذا يعني أن تخزين المياه سيكون حتى ارتفاع ثمانمئة وعشرة أمتار فقط. وبذلك يكون التخزين الفعلي لسد جنة 7 ــ 8 ملايين متر مكعب فقط، وليس ثلاثين مليون متر مكعب كما يعلن. وينتهي التقرير إلى التوصية في خلاصاته بعدم الاستمرار في بناء سد جنة المقرر.
يلمّح المنسّق العام للإئتلاف المدني الرافض لسدذ جنة رجا نجيم الى ان المدافعين عن هذا المشروع «لا يأبهون فعليا لتغطية حاجات بيروت الحقيقية»، الهدف الاساسي الذي جرى الترويج من خلاله للمشروع، لافتا الى ان تأمين 8 ملايين متر مكعب هي النسبة التي تحتاج إليها جبيل وساحل فتوح كسروان فقط. ويضيف نجيم ان الاستمرار في المشروع يرمي الى الحصول على تنفيعات إذ يسعى المشروع الى «صرف مبلغ سيصل الى أكثر من 750 مليون دولار».

الآبار تؤمن المياه لجبيل وكسروان

يرى نجيم أنه يمكن تأمين مياه الشرب والاستعمال لمناطق جبيل وكسروان عن طريق الآبار «خصوصاً ان المخزن الجوفي الغني بالمياه النقية هو فقط على بضعة أمتار من المستوى المُرتقب لأرضية بحيرة سد جنّة ويتجمّع هذا المخزون المائي ضمن طبقات «الجوراسيك»، كما في المناطق القريبة من الساحل الجبيليّ والكسروانيّ حيث يمكن أيضاً ان يتمّ إستثمار المياه الجوفيّة المُتوفّرة في المخزن «الكارستي الطبشوري»، لافتا الى ان هذا الامر من شأنه أن يُجنب إشكالات تمديد الشبكة على طول الطريق الرئيسية البحرية من جبيل مروراً بكسروان، حتى محطة تكرير الضبيّة، تماما كما «يجنبنا تدمير أي من مناطق نهر إبراهيم، المصنّفة جميعها إرثا وطنيا ومحميّة بيئيّة إيكولوجيّة نادرة الوجود».
أمّا الكلفة المقدّرة لحفر الآبار، بحسب نجيم، فلن تتعدّى كلفته المليون ونصف المليون دولار، «فالآبار ستكون ضمن المناطق التي ستجري تغذيتها، أماّ بالنسبة الى توليد الطاقة المائيّة فما هو مخطّط له ضمن مشروع سدّ جنّة صعب جداً تنفيذه وهو غير ثابت حتّى اليوم، وجدواه عليها شكوك كبيرة».

ماذا عن مياه بيروت الكبرى؟

يقول نجيم، إنّ من السهل تأمين النقص بالمياه الذي يعيشه سكّان بيروت، «عن طريق إعادة تأهيل الشبكة وتوقيف التعليق غير الشرعي عليها، كما منع القيام بالري الزراعي إنطلاقاً من الينابيع... وفي حال وجود أي حاجة إضافيّة لم يجرِ التعويض عنها يمكن اللجوء الى مصادر مياه جوفيّة قريبة وهي متوافرة وبكثرة ضمن إطارها الجغرافيّ، مثلاً في جسر القاضي والدامور وفي وادي شحرور جنوباً وفي أنطلياس شمالاً».
ويختم نجيم بالقول أنه «لا حاجة بالنسبة لبيروت الكبرى لسدّ جنّة، ولا حتّى لسدّ بسري المرتقب ان يكلّف الخزينة أكثر من مليار دولار».