من يقنع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بان ما جرى في الايام الاخيرة لم يكن يستهدفهما مباشرة؟ وهل يمكن ان يقتنع العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع بان الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، لم يردّوا سريعاً على الاستنهاض المسيحي – الماروني الذي يقوم به عون وجعجع منذ شهور.
وهل كان النائب ابراهيم كنعان والموفد القواتي ملحم الرياشي يدركان، حين باشرا منذ نحو سنة اتصالاتهما بتكليف من عون وجعجع، ان «عيديّة السنة» ستكون بحجم لقاء باريس بين الحريري والنائب سليمان فرنجيه، وتقدم الأخير ليكون مرشحاً اول، وان ورقة اعلان النيات ولقاء عون وجعجع بعد قطيعة طويلة، ستكون السبب في انقلاب قادته «ترويكا» الحريري وبري وجنبلاط؟ وهل بات الكلام عن «التحالف الرباعي» لازمة تتكرر عند كل حدث سياسي، ليصبح هذا التحالف وكأنه دستور ما بعد الطائف؟.
لقاء باريس فعل فعله في الوسطين العوني والقواتي، أياً تكن نتائجه، سواء تراجع الحريري عن دعم فرنجيه، او اعلن ترشيحه له. فاللقاء في حد ذاته كشف اوراق من كان وراءه ومن ساهم به وأعدّه وباركه، ما وضع القوات والتيار امام مجموعة من الاسئلة والقراءات حول الخلفيات، قبل الدخول في استخلاص العبر وتلمّس النتائج، التي اختصرها احد اركان 14 آذار بالقول «وصول سليمان فرنجيه الى قصر بعبدا هزيمة كبرى لقوى 14 آذار».

عون على خطي بري وفرنجيه

حين التقى عون وجعجع، في 2 حزيران الماضي، جاء الرد سريعا على عون من خلال الحكومة التي يشارك فيها. كان عون يطالب بتعيينات امنية وبعدم التمديد للقادة الامنيين. في جلسة 4 حزيران، انكشف التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابرهيم بصبوص، كمقدمة للتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. هدد عون بتعطيل جلسات الحكومة ونزل العونيون الى الشارع، وانكفأوا عن الجلسات الحكومية التي تعطلت، لكن الجنرال لم يتمكن من قطف ثمار الحركة الشعبية: استمر التعطيل وطارت المطالب. انكشف حينها تحالف بري والحريري في تعطيل مفاعيل الحوار العوني ــــ القواتي: لم يمدد للعميد شامل روكز، ومدد لقهوجي، وذهبت وعود الحريري في عشاء شباط 2014 أدراج الريح.
بادر بري الى الإعداد لجلسة تشريعية بذريعة التشريعات المالية، تحت عنوان تشريع الضرورة. هدّد عون وجعجع بمقاطعة الجلسة إذا لم يدرج قانون استعادة الجنسية وقانون الانتخاب على جدول أعمالها. استنفر موقفهما رئيس المجلس (الذي اكد ميثاقية الجلسة، ولو غابا عنها) والحريري وجنبلاط ومعهم نواب مستقلون، وبرزت معارضة فرنجيه لكليهما، كما برز موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي استعد لتأمين ميثاقية الجلسة، قبل التوصل الى تسوية الرياض باقرار قانون استعادة الجنسية، مقابل تعهد الحريري عدم المشاركة في اي جلسة مقبلة ما لم تبحث قانون الانتخاب.
ما كاد عون يحتفل بنجاح ما قام به وجعجع في الجلسة التشريعية حتى جاء لقاء باريس. بدت الضربة اكبر من كل سابقاتها. واذا كان عون قد اعتاد منذ ان عاد الى لبنان ووقع ورقة التفاهم مع حزب الله، ان تأتيه الضربات من جانب بري، فانه حتى الآن لا يمكن إلا ان يقدر وقوف حزب الله معه كما وقف هو مع الحزب في حرب تموز 2006. قدم الحزب إلى عون اكثر من مرة موقفا داعما سواء في معاركه الدائمة مع بري (معركة جزين النيابية)، او في مطالبه التي تتعلق بتسويات داخلية. وهو قد يكون اليوم اكثر ما يحتاج الى دعم الحزب، في معركة يعتبرها العونيون مصيرية بقدر ما هي «خطرة»، علما انهم واثقون بدعم الحزب حتى الرمق الاخير. ثمة في الاوساط العونية من يستخدم عبارات حادّة لوصف ما جرى اخيراً. خلال ايام التقى الوزير جبران باسيل وفرنجيه مرتين، وكانت العلاقات التي ساءت منذ فترة طويلة تسلك طريقها برعاية حزب الله، الا ان لقاء باريس اثار «الحزن والمفاجاة». فأن يحارب عون على اكثر من جبهة امر اعتاده، لكن في الاشهر الاخيرة تضاعف عدد الجبهات.

جعجع صامت حتى...؟

يصمت جعجع عن الكلام في زمن المتغيرات والمفاجآت. لقاء باريس، كما لقاء روما قبله، احيط بسرية تامة ولم يطلع عليه الا «الحليفان» بري وجنبلاط. يبقى جعجع خارج دائرة الحلفاء حتى اشعار آخر.
مقاطعة جلسة الانتخاب قد تجمع نواب حزب الله الى نواب القوات والعونيين

لن ينسى الحريري، وبعض من في الدوائر المصغرة حوله، ان جعجع وقف مع عون في مشروع الارثوذكسي، ما اضطر زعيم المستقبل الى تدوير الزوايا ويقبل مع جنبلاط مشروعا انتخابيا هجينا بين الاكثري والنسبي، للتخلص من الارثوذكسي، علماً أنهما لا يريدان سوى قانون 1960 الذي توافق عليه مع فرنجيه.
جاء اعلان النيات ليعيد الى الحريري ودائرته المصغرة هواجس الاستفاقة المسيحية. وهو هاجس يقلق أيضاً بري، كما يقلق جنبلاط، الذي كان يشترط تفصيل جبل لبنان في كل قوانين الانتخابات بعد 1992 على مقاس فوزه في الشوف وعاليه. ساهم الأخيران في ابتداع فكرة التحالف منذ ان اثبت المسيحيون، بعد 2005، انهم قادرون على الفوز في دوائرهم، ما يعني احتمال عودتهم الى السلطة بعد خروج السوريين واغتيال الرئيس رفيق الحريري. مرة جديدة يجدر التفتيش عن دور جنبلاط، في رعايته وبري فكرة ترشيح فرنجيه مقابل عون وجعجع معاً.
يكمن خطأ جعجع، بالنسبة الى المستقبل، في انه قدم الى حلفائه على طبق من فضة تحالفه مع عون فاستفز عصبيتهم. ما قام به قبل الجلسة التشريعية، لم يرق حتى لاكثر المعتدلين في المستقبل، فكيف الحال وهو يكمل هجومه على المستقلين من النواب الى الحد الذي لوح معه احدهم بانه لن يصوت لجعجع بعد الان في اي انتخابات رئاسية.
كل ذلك في كفة، وترشيح فرنجيه بالطريقة التي جرى بها في كفة اخرى. فما قدمه جعجع للمستقبل بعد 7 ايار لم يكن يسيرا، وما قدمه المستقبل للقوات لا يزال مرتبطا عند اشتداد الازمات بالعلاقة مع بري. فالتذرع المستقبلي باعلان النيات، وكما قال النائب فريد مكاري ان الورقة «لالغائنا»، ليس سوى الحجة التي يواجه بها المستقبل جعجع، علما ان التحالف الرباعي سبق اعلان النيات وعدم اعطاء القوات ما تستحقه في الحكومات وصولا الى تأليف حكومة مع حزب الله من دون القوات، فيما بادر جعجع الى دعم الرئيس تمام سلام وزاره حين اشتد الهجوم على الحكومة غير الممثل فيها.

قانون الانتخاب والحكومة

وفيما لا يزال ترشيح فرنجيه كلاميا، استنفرت كل الدوائر السياسية المعنية، وسط احاديث عن «جوائز ترضية» يمكن ان ينالها معارضو ترشيح فرنجيه، مثل اعطاء عون وجعجع حصصا حكومية وازنة، والتعهد بقانون انتخابي «عادل»، لكن ذلك لا يرضي اياً من الطرفين لان ما يقال قبل صندوق الاقتراع هو غيره ما بعدها. فمن يضمن الحصص الحكومية، وتجربة الرئيس ميشال سليمان لا تزال حية. فالرئيس الاتي من دون ثقل شعبي اصر على حصص «رئاسية» في الحكومات المتعاقبة، حتى اصبح له حصة في الحكومة وهو خارج القصر الرئاسي. واذا كان سليمان قد نال هذه الحصة، فهل يمكن لرئيس من وزن فرنجيه له ثقله وحضوره الشعبي والنيابي ان يضحي بحصة وزارية من اجل خصمين مسيحيين عارضا انتخابه؟ وهل يمكنه ان يتخلى عن توزير «ماروني» لمصلحه خصميه فيما الكتائب ستقف له بالمرصاد اذا انتخب بأصواتها؟
اما بالنسبة الى قانون الانتخاب، فالاكيد ان الابرز حضورا اليوم، وفق لقاء باريس، هو قانون 1960 الذي يرضي الحريري وفرنجيه وجنبلاط (وبري)، فيما يعارضه عون وجعجع، لكنّ الطرفين سيكونان مطمئنين، لان اي تحالف انتخابي معارض من وزنهما سيكون له مفعوله في صندوق الاقتراع، مهما كان قانون الانتخاب، الى حد قول المعنيين من الطرفين انهما سيجتاحان صناديق الاقتراع، حتى إن القوات قد تحصل على تصويت الناخبين السنّة المعترضين على قرار الحريري.



حسابات الربح والخسارة

يتعامل العونيون والقوات وكأن انتخاب النائب سليمان فرنجيه قد يكون حقيقة واقعة، وإن عارضاه. دارت امس تساؤلات عن حقيقة موقف السعودية من تسوية كهذه، وهل يمكن للرياض ان تدرج اسماء قادة في حزب الله على لائحة الارهاب في وقت ترعى فيه تسوية الاتيان برئيس للجمهورية يلتزم خط المقاومة؟ وكيف يمكن التصديق ان الرياض ستقبل فرنجيه في وقت يجدد فيه وزير خارجيتها عادل الجبير ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الاسد سلما او حربا؟
الاسئلة تتكاثر، وتصل الى حد التبشير بأن لقاء باريس زوبعة في فنجان، لا تلغي ان ثمة من بدأ يضع الورقة امامه ويحتسب البوانتاج بدقة لمعرفة من يمكن ان يؤمن نصاب جلسة الانتخاب، اي 86 نائبا، اذا سارت التسوية من دون رضى عون وجعجع لانتخاب فرنجيه؟
حتى الآن هناك عشرون نائبا من كتلة التيار الوطني الحر (بمن فيهم اميل رحمة وفادي الاعور)، اي من دون الطاشناق وكتلة فرنجيه، يضاف اليهم ثمانية نواب من كتلة القوات و12 من كتلة «الوفاء للمقاومة»، على افتراض ان الحزب سيراعي عون في حال عدم موافقته على التسوية، يضاف اليهم نواب مستقلون لا يمكن ان ينتخبوا فرنجيه مبدئيا، وهم دوري شمعون ونديم الجميل وبطرس حرب (مع احتمال عدم تصويت النائب خالد ضاهر). اي ان المجموع هو 43 نائبا من اصل 128 نائبا ما يعني ان النصاب سيكون 85 نائباً.
هذا في الارقام المبدئية. لكن هناك تفاصيل لا يمكن لاي طرف التغاضي عنها. فالجميل قد يلتزم قرار الكتائب التصويت بعدما بدا ان الكتائب مع التسوية، اما بالنسبة الى حرب، فما جرى اخيرا مع جعجع على خلفية موقفه من الجلسة التشريعية يطرح السؤال حول امكان توافقه مع عون وجعجع، علما ان هناك حسابات شمالية وانتخابية تتعلق بمقعده في البترون. ورغم ان ضاهر يشن حملة على ترشيح المستقبل لفرنجيه وربطها بالمحكمة الدولية، لكن لا يمكن الركون بالمطلق الى تغيبه.
ولان معركة النصاب قد تكون على صوت او صوتين، تبدو حسابات عون وجعجع اليوم في ميزان دقيق، تحسبا لاي احتمال يأخذ المعركة سريعا نحو المجلس النيابي.