بعد كل اعتداء إرهابي تتعرّض له إحدى الدول الغربية، ينتقل النقاش إلى داخل الدول الغربية الأخرى، ليترك آثاراً على سياستها الداخلية قد تكون سيئة بالنسبة لبعض الأحزاب. بريطانيا تعيش حالتها الخاصة، على وقع اعتداءات باريس، التي أشعلت نقاشاً داخلياً، رداً على طلب رئيس حكومتها ديفيد كاميرون شن ضربات ضد «داعش» في سوريا.
ومعروف أن بريطانيا ما زالت حتى الآن تشارك في الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، ولكن من خلال تقديمها الدعم الاستخباري. كاميرون، الذي قدم قضيته أمام مجلس العموم لإقناع أعضائه بالموافقة على ضرب «داعش»، قال إن التنظيم يمثل «تهديداً مباشراً» لبريطانيا، فاتحاً الباب أمام أخذ ورد ما زالا في طور التطوّر، قبل أسبوع واحد على موعد تصويت مجلس العموم على مشروع القرار الخاص بتوسيع رقعة العمليات العسكرية البريطانية، التي تقتصر حالياً على الساحة العراقية.
«شن ضربات جوية على سوريا»، عبارة حفلت بها الصحف البريطانية، خلال الأيام الماضية، وهي أيضاً أحدثت شرخاً في «حزب العمال»، في ظل انقسام أعضائه بين مؤيد ومعارض لشن هذه الهجمات. أمر يهدّد زعامة جريمي كوربين للحزب، وخصوصاً أنه من أشد المعارضين لأي تدخل عسكري بريطاني في الخارج.
أمس، نشرت صحيفة «ذا غارديان» مقالاً بعنوان «زعامة حزب العمال مضطربة حيال التصويت على المشاركة في العمليات العسكرية في سوريا».
كوربين ووزيرة الخارجية في حكومة الظل هيلاري بن تبنيا مواقف متضاربة بشأن العمليات العسكرية


ورأت أن زعيم الحزب جيريمي كوربين، ربما يترك لممثلي الحزب في مجلس العموم حرية التصويت على مشروع قرار يتيح للحكومة البريطانية المشاركة في العمليات العسكرية في سوريا. إلا أن الصحيفة لفتت أيضاً إلى أن «كوربين ووزيرة الخارجية في حكومة الظل هيلاري بن، تبنيا مواقف متضاربة بشدة وبشكل علني، في ما يتعلق باتجاه الحكومة للمشاركة في العمليات العسكرية ضد داعش في سوريا».
ولكن ما أشارت إليه الصحيفة لا يلغي الواقع الذي تطرّق إليه معظم الإعلام البريطاني، والذي أوضحه كوربين نفسه في رسالة إلى نواب حزبه في مجلس العموم، كتب فيها إن «رئيس الوزراء فشل في توضيح كيفية مساهمة الغارات الجوية ضد التنظيم في سوريا، في حماية الأمن القومي البريطاني».
كوربين قال في خطابه «لا اعتقد أن توسيع ساحة العمليات العسكرية لتمتد إلى سوريا سيساهم في حماية الأمن القومي لبريطانيا، ولذلك لا يمكنني أن أساند هذا القرار». إلا أن وزير خارجية حكومة الظل «المعارضة» هيلاري بن قامت بانتقاده، مؤكدة أن رئيس الوزراء وفى بتعهداته التي أقرها في مقترح الحكومة.
بناء عليه، أشارت «ذا غارديان» إلى أنه «إذا لم تفلح المحاولات الجارية للم شمل قيادات حزب العمال على موقف واحد، بخصوص هذه القضية، فإنه من المرجح أن يسمح كوربين لنواب الحزب بالتصويت بحرية دون إلزامهم بقرار معين».
ولكن في موازاة موجة التعارض التي تعصف بـ»حزب العمال»، هناك من يدعوه إلى إنقاذ بريطانيا من التدخل في سوريا. سيمون جنكينس كتب في «ذا غارديان» أن هذا الحزب لديه القدرة «على منعنا من الدخول في نزاع لا يمكننا أن نجد حلاً له»، مضيفاً أن «جيريمي كوربين محق هذه المرة».
وقال الكاتب إن «قصف سوريا ليس له دخل بالإرهاب، إلا أنه ربما يزيد من احتمال وجوده في بريطانيا»، وهو أمر توافق عليه عدد كبير من المحللين في الصحف البريطانية.
وقد تناوله آدام ويثنال في صحيفة «ذي اندبندنت»، مؤكداً أن «تهديد داعش لبريطانيا سيزداد، إذا بدأت بضربات جوية في سوريا». ويثنال لجأ إلى خبراء لدعم حجته، ونقل عنهم ما مفاده أن «الضربات الجوية ليست الجواب الصحيح». فضلاً عن ذلك، هو لجأ إلى أمثلة على فشل هذا الحل، وقال «إذا بدأ سلاح الجو الملكي البريطاني ضرباته ضد داعش في سوريا، فإنها ستكون الدولة الرابعة من حيث التدخل البريطاني، منذ مطلع القرن، بعد العراق وأفغانستان وليبيا». استند ويثنال إلى هذه الأمثلة، ليشير إلى أن رئيس الوزراء البريطاني لم يتطرّق إلى أي من هذه النزاعات في رده على انتقاد لجنة الشؤون الخارجية بشأن إستراتيجيته «غير المترابطة» في سوريا.
وقال إن هذا الأمر «يثير قلقاً من أن بريطانيا لم تتعلم من الدروس التي زوّدتها بها الغارات والتدخل في الحروب الخارجية».
«ما الذي يمكن أن تقدمه بريطانيا لسوريا؟»، تساؤل وجهته الصحف البريطانية، أيضاً، في إطار ردها على خطاب كاميرون أمام مجلس العموم، وقد طرحه ويثنال، مجيباً بالقول إن «ما يمكن أن تقدمه بريطانيا على أرض المعركة، لن يكون أكثر أهمية مما تقدمه وهي بعيدة». ونقل عن الضابط السابق في مشاة البحرية بادي آشداون قوله إن «بريطانيا يمكن أن تقوم بعمل ما في سوريا، إذا ما كان مرتبطاً بدفع دبلوماسي لإدخال دول الخليج في المسألة». آشداون أشار من جهته إلى أن «المرة الأخيرة التي شوهدت فيها طائرة سعودية تعمل من ضمن التحالف الدولي في سوريا، كانت منذ ثلاثة أشهر، أما المرة الأخيرة التي شنت فيها طائرة قطرية هجمات في سوريا، فقد كانت منذ حوالى السنة». أما على المستوى الآخر، فقد تحدث الكاتب عن «مشاركة قوات برية في العمليات، تكون مقبولة محلياً (أي في الداخل السوري)»، ونقل عن الرئيس السابق لهيئة الأركان البريطاني ريتشاردز هيرستماسو، قوله إن «القوات البرية الفاعلة يجب أن تشمل الجيش الوحيد الكفوء ــ ألا وهو جيش الرئيس (السوري بشار) الأسد».
(الأخبار)