مارس الأمير نايف بن عبد العزيز دور الملك بالوكالة خلال ثلاثة اشهر في السنة الماضية من تشرين الثاني حتى نهاية شباط الماضي، وحصل ذلك في غياب الملك عبد الله الذي سافر للعلاج في الولايات المتحدة، بينما كان ولي العهد الأمير سلطان غير قادر على أداء مهامه بسبب مرض السرطان وفقدان الذاكرة. ورغم ان الرجل الثاني قطع فترة النقاهة التي كان يمضيها في مدينة اغادير المغربية، وعاد الى المملكة بمجرد مغادرة الملك، فإن حضوره كان رمزياً ولم يظهر إلا في مناسبات قليلة على مسرح الاحداث الذي احتله الأمير نايف بحرية تامة، وكان له مطلق القرار.
وحتى امير الرياض، سلمان بن عبد العزيز، الذي يوصف بأنه الأقوى بعد نايف، لم يلعب دوراً بارزاً بسبب ملازمته لشقيقه سلطان ومرضه هو الآخر.
في هذه الفترة القصيرة استجدت احداث هامة على الساحة العربية تمثلت بهبوب رياح الربيع العربي من تونس، وتفاعلت معها المملكة مباشرة، وكان صاحب الكلمة الأخيرة هو الامير نايف، الذي اتخذ قرار استقبال رئيس تونس المخلوع زين العابدين بن علي، وأرسل اشارات واضحة حول معارضة السعودية ازاحة الرئيس المصري حسني مبارك، وتجلى دوره اكثر خلال انتفاضة البحرين الشعبية، فهو الذي قاد مجلس التعاون الخليجي لمحاصرتها، ووقف بقوة من اجل ارسال قوات درع الجزيرة بهدف قمع الانتفاضة.
انكفأ نايف شكلياً بمجرد عودة الملك عبد الله الى السعودية في 23 شباط الماضي، لكنه بقي حاضراً في وضع لمسات السياسة السعودية الداخلية والخارجية، وساعده على التصرف بحرية مرض عبد الله وتدهور صحة سلطان الذي سافر من جديد الى نيويورك لمتابعة العلاج ومكث هناك حتى وفاته في 22 تشرين الأول الجاري. ولم يفاجئ سلوك نايف أحداً، لا في الداخل ولا في الخارج، فهو من موقعه في وزارة الداخلية منذ سنة 1975 بنى لنفسه موقعاً يلامس حياة كل سعودي قائم على ركيزتين. الأمن والمؤسسة الدينية.
نايف ينتظر هذه اللحظة منذ زمن طويل، ويرى نفسه صاحب الحق في ممارسة الدور الجديد منذ ان عينه الملك عبد الله سنة 2009 في موقع النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء. وبالنسبة له ان هذا المنصب يؤهله لتولي مهام ولي العهد وحتى الملك في حال غيابهما او عجزهما عن القيام بالمهام المنوطة بهما، وجاء تزامن مرض الملك وولي عهده لكي يفسح امامه المجال ليتقدم الى الصف الأول من دون عقبات او معارضة داخلية. ويعد تصرفه شرعياً وفق قانون تداول المسؤولية على الطريقة القديمة التي ارساها الراحل المؤسس عبد العزيز آل سعود والقائمة على تراتب السن، وهو يعد أن مجرد تسميته النائب الثاني، يعني ان من حقه احتلال موقع ولي العهد في حال شغور المنصب او عجز ولي العهد عن ممارسة دوره، لكن هذا الأمر يتنافى مع قانون هيئة البيعة التي شكلها الملك عبد الله سنة 2006 من اجل كسر القاعدة القديمة، ويصبح بمقتضاها تعيين الملك وولي العهد خاضعاً لاعتبارات أقرب إلى الشورى.
قطع الملك عبد الله كافة الشكوك واتخذ قراره بعد منتصف ليلة اول امس بتسمية الامير نايف ولياً للعهد، وأحال الأمر الى هيئة البيعة التي طلب منها مبايعة الامير نايف. والملاحظ هنا هو احتفاظ نايف بوزارة الداخلية على غرار ولي العهد السابق الامير سلطان الذي لم يتنازل عن وزارة الدفاع حين جرى تعيينه ولياً للعهد سنة 2005. وتفسر اوساط سعودية ابقاء الداخلية في عهدة نايف على انه يعود الى عدم حسم الملك عبد الله مسألة التعديل الحكومي، الذي من المقرر ايضاً أن يشمل تعيين وزير للدفاع خلفاً للامير سلطان. وتقول المصادر إن الملك يعمل على امتصاص الاعتراضات من طرف جيل الاحفاد الذين يبدون عدم رضا على استمرار نظام تداول المسؤولية وفق الأعراف القديمة رغم تشكيل هيئة البيعة التي يفترض ان تقرر هي اختيار ولي العهد.
قوة نايف تمنع تطبيق قانون هيئة البيعة عليه، فهو يمتلك اوراقاً لا يمتلكها غيره في العائلة الحاكمة، وهما الأمن والمؤسسة الدينية. وهاتان الورقتان تتقاطعان في كثير من التفاصيل، وخصوصاً خلال العقد الأخير الذي عانت منه السعودية بسبب تداعيات 11 سبتمبر. وهنا يفاخر نايف بأنه هو الذي تمكن من تجنيب المملكة خطر تنظيم القاعدة، ويسجل لنفسه فضل الازدهار السياسي والاقتصادي الذي تحقق على قاعدة النجاح الامني منذ 2003 في هزيمة القاعدة داخل السعودية، الأمر الذي منعها من مد نشاطها على الصعيد الدولي بوتيرة عالية، وانعكس ذلك على العلاقات مع الولايات المتحدة التي حملت السعودية قسطاً من المسؤولية عن هجمات سبتمبر. ومن علامات هذه الفترة ان التنسيق الامني السعودي الاميركي بات امراً اساسياً في سياسة المملكة التي بقيت لزمن طويل ترى الامن شأناً داخلياً وأحد مرتكزات السيادة.
ونايف هو مهندس العلاقة مع المؤسسة الدينية خلال ربع القرن الأخير والمتحكم بعلاقة الدين بالدولة من منطلق أن نظام الدولة يسمح للملك وآل سعود باختيار أعضاء المؤسسة الدينية، وما دام هذا الاختيار بيد الملك فليس من المتوقع أن يقف أعضاء المؤسسة الدينية في وجه الملك إلا إذا أعلن عداءه الصريح للإسلام على نحو مكشوف، وأما دون ذلك فإن مهمة المؤسسة الدينية أن توفر الشرعية للدولة، وتصف كل من ينتقدها بإثارة الفتنة، ويتفرغ أعضاء المؤسسة الدينية بعد ذلك للحديث عن القضايا الاجتماعية والعائلية التي لا علاقة لها بالسياسة. وينسب الى الامير نايف دوره في تقوية دور المؤسسة الدينية في الثمانينيات بعد قيام الثورة الإيرانية، ورغم العلاقة المتميزة بين الطرفين فإن نوعية العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية أصبحت عبئاً اقتصادياً كبيراً بكل المعاني، حتى ان بعض الأمراء المتنورين ابدوا رغبة في تغيير كبير في الدولة ونظامها لكنهم اعترفوا بالعجز وسلحفائية النظام، وأقروا بأن هذه الحال قد تؤدي إلى الهاوية. وغالباً ما توجه سهام النقد إلى تخلف الوضع التعليمي والاجتماعي والمؤسسي، وكانت نتيجة ذلك أن الدولة السعودية ظلت بعيدة جداً عن الشكل العصري رغم مزاعمها مواكبة التطور.
صار نايف تحت المجهر الاميركي بعد تعيينه سنة 2009 في موقع النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وركزت برقيات «ويكيليكس» على جوانب رئيسية من شخصيته، وتصفه احداها بأنه «إلى حدٍّ بعيد، يُنظَر إلى نايف كمحافظ متشدد، هو في أحسن الأحوال غير متحمس لمبادرات الملك عبد الله الإصلاحية. غير أن من الأدق وصفه بمحافظ براغماتي مقتنع بأن الأمن والاستقرار واجبان لحفظ حكم آل سعود ولضمان الازدهار للمواطنين السعوديين. مخلصٌ للملك لا محالة (لكن ليس دائماً لأفكاره)، نايف هو ممارس موهوب لفن تحقيق التوازن بين الفصائل الدينية والإصلاحية المتنافسة في المجتمع السعودي». وتضيف «مستبدّ حازم في العمق، يرتاب من مبادرات توسيع المشاركة السياسية أو حقوق المرأة».
ومن المفارقات، مع ذلك، «أن بعض مبادراته التي يحركها الهاجس الأمني، مثل بطاقات الهوية للنساء، أدت إلى تحسن حالة المرأة. يقدم نايف رؤية للمجتمع السعودي تحت شعار «الأمن الفكري»، الذي يدافع عنه كحاجة إلى «التطهر من الأفكار المنحرفة».
وتقول عنه برقيات «ويكيليكس» ايضاً انه «يخفي تحيزات ضد الشيعة». وهو الامر الذي يؤكده مواطنو المنطقة الشرقية ذات الاغلبية الشيعية، وكثيراً ما صدرت شكاوى وارتفعت اصوات تتحدث عن التمييز الطائفي، والرد على المطالبة بالحقوق بواسطة القوة، ورمي التحركات المطلبية على ظهر «المؤامرات الخارجية»، والمقصود بذلك ايران. وينعكس ذلك على موقفه من ايران، فهو مركب اكثر من رأي الملك عبد الله ويرى فيها مصدر «غدر» وخطر وتهديد، وتفيد احدى برقيات «ويكيليكس» بأن «نظرته للعالم يشوبها توجس عميق من إيران، رغم دوره الناشط في تطوير علاقات سعودية ـــــ إيرانية».
ورغم ما يقال عن نايف من تشدد واتكاء على المؤسسة الدينية، تقول احدى برقيات «ويكيليكس» ان الدرس الاساسي الذي تعلمه من شقيقه فهد عندما تسلم منه وزارة الداخلية هو ضرورة خلق توازن بين الفصائل الدينية والاصلاحية المتنافسة في المجتمع السعودي. وهذا ما سوف يتبين في المرحلة المقبلة، اذ انه مضطر لتغيير طريقته في مقاربة الوضع السعودي العام، فهو ليس وزير داخلية ليرى المملكة من زاوية الامن ورجال الدين، ويرى خبراء في الوضع السعودي ان نايف سوف يتصرف من منطلق انه هو الملك المقبل الذي سوف يكون مجبراً على الانفتاح على كافة السعوديين، وخصوصاً الاجيال الجديدة التي تكوّن 60 في المئة من سكان السعودية. وتقدر اوساط اميركية ان نايف سوف ينظر للعلاقات الدولية من منظور مختلف وعلى اساس أن الأمن في خدمة الدبلوماسية، وهو ما درجت عليه المملكة في العهود السابقة، حيث لم تترك اعتبارات الأمن تقود العلاقات الخارجية.
مسألة هامة تبقى من ابرز التحديات على طريق نايف هي قدرته على لم شمل العائلة من حوله مثلما ما فعل عبد الله لدى وصوله للعرش سنة 2005، وسط حالة تذمر عامة في اوساط الجيل الثاني، الذي ينتظر دوره لتولي مسؤوليات في العمل الحكومي.



سلمان بن عبد العزيز


مع تولي الأمير نايف بن عبد العزيز لولاية العهد، وبالتالي وضعه على السكة لتسلم عرش المملكة، تتوجه الأنظار إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز (الصورة)، الذي باتت الترشيحات تصب باتجاهه لتولي منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء، إذا قرر الملك عبد الله إجراء تعديلات وزارية لملء الشواغر التي خلفها رحيل سلطان وترفيع نايف.
ودخل سلمان العمل السياسي في آذار ١٩٥٤، عندما عين أميراً لمنطقة الرياض بالنيابة، خلفاً لأخيه نايف، ثم عيّن أميراً لمنطقة الرياض واستمر في ذلك إلى ١٩٦٠عندما استقال ليعاد تعيينه في المنصب نفسه في العام ١٩٦٣، ولا يزال يشغله حتى اليوم. يعد أحد أهم أركان العائلة المالكة السعودية، إذ هو أمين سر العائلة، والمستشار الشخصي للملوك السعوديين، كذلك هو أحد السديريين السبعة من أبناء الملك عبد العزيز.