حيفا | لـ «مهرجان العود الإسرائيلي» جوانب وأوجه كثيرة يجب علينا صفعها. لكن الصفعة الأقوى، علينا أن نوجّهها إلى أنفسنا وإلى الطرق البالية في التعامل مع المهرجان والأسماء الفلسطينية المشاركة فيه. نهاجم بحرقة خائب الرجاء، من دون أن نتذكّر أن السياق الطبيعي لمعظم المشاركين الفلسطينيين هو «مهرجان العود» وغيره من المهرجانات الإسرائيلية.
هذه أزمتنا، ولها سببان: الأوّل أنّ المؤسسات الفلسطينية الثقافية والسياسية لم تقاطع أو حتى تهدد بمقاطعة المشاركين. ونحن نتحدّث أيضاً عن أحزاب سياسية كانت وما زالت تتعامل مع المشاركين، رغم أن جزءاً كبيراً منها يدعم حملة المقاطعة، ويدعو إلى مناهضة التطبيع.
السبب الآخر أنّ المشاركين في مهرجان العود ليسوا وحيدين، ضُمّ إليهم المشاركون في الأوسكار الإسرائيلي، ثم الذين عملوا في المسارح الإسرائيلية ومثّلوا إسرائيل في مهرجانات وبعثات وورش دولية. ثم أضف إلى هؤلاء، من تعاونوا في إنتاجاتهم مع مؤسسات وجمعيات ذات تمويل حكومي.
وللأزمة حلّان سطحيّان وباليان: الأول هو التخوين التام للجميع، والثاني هو الاستجداء بالخصوصية الوهمية لحالة فلسطينيي الداخل. وخلال البحث عن مخرج، لا بد لنا أن ننظر إلى السياق الزمني. لماذا الآن وليس قبل عشر سنوات؟ هذا يعود إلى حملة (أو لنقُل «تقليعة») المقاطعة.
المسألة لم تكن يوماً مسألة مقاطعة إسرائيل كفعل سياسي يُبنى على قرار وأهداف واسراتيجية واضحة، كما هي الحال بالنسبة إلى الفنانين الأجانب. لا يمكن أن نطالب المثقّف العربي بالعمل بموجب قرار سياسي تصدره حملة المقاطعة. حراك ثقافي سليم هو حراك يتبلور حول فكرة، والفكرة هي مناهضة التطبيع، ليس بموجب قرار سياسي، بل بموجب تراث نضالي حيّ، ومواقف إنسانية وسياسية متأصّلة في فهم الإنسان لتاريخه وقصته، أي مناهضة التطبيع من منطلق الفطرة الرافضة لقبول الصهيونية كياناً طبيعياً. هذا لا يولد ببيان حملة المقاطعة. وعي مناهضة التطبيع يتبلور عضوياً من واقع مشروع تحرر وطني يتنفّس الحالة الثقافية، وتجسّد الحالة الثقافية ذاتها فيه.