المصارف والسيادة!

  • 0
  • ض
  • ض

لطالما شكلت المصارف في لبنان نقطة إجماع بين جميع المتخاصمين والمتحاربين. ليس الأمر إعجاباً أو تقديراً أو ما شابه، بل إقرار واضح من اللبنانيين كافة بالدور المركزي لهذا القطاع. إذ بات محورياً في حياة الناس على مختلف الصعد.

وبلغ الأمر أن باتت المصارف الوسيط المالي، شبه الإلزامي، بين المواطن وكل المؤسسات التي توفر حاجات حياته اليومية، من الأكل والشرب والتعليم والطبابة والسكن، إلى السفر والسيارة والترفيه... وصولاً إلى عمليات التجميل!
في لبنان، الذي يشهد منذ عام 1975 حروباً باردة وساخنة أودت بحياة أكثر من مئتي ألف مواطن، وهجّرت أكثر من مليوني شخص داخل البلاد وخارجها، وحيث حصلت حروب كونية وإقليمية وأهلية، وحيث التناحر السياسي على أشده في هذا البلد الصغير، لم ينجُ أحد من ويلات هذه الحروب. لكن المصارف بقيت، على الدوام، الناجي الوحيد، الذي لم يسلم فحسب، بل شهد نمواً قياسياً، ربما لم تشهده مصارف كبرى في العالم خلال الفترة الزمنية نفسها.
لقد عملت المصارف، طوال الوقت، على معالجة أوضاعها من خلف الستارة، ما يجعلها بعيدة فعلياً عن المحاسبة والمساءلة. حتى السياسات النقدية والمصرف المركزي منحا هذا القطاع هوامش إضافية تتيح له النمو أكثر فأكثر. وهي استفادت من فوضى القوانين، وفساد السلطات القائمة، بما فيها سلطات الرقابة الشعبية من أحزاب وصحافة ونقابات، حتى صارت القطاع الثاني، بعد الدولة، من حيث الإيرادات.
لكننا، اليوم، أمام مفترق خطير. ويبدو أن بين أهل القطاع من يتعامل مع ملف العقوبات المالية الأميركية على المقاومة وناسها، وكأنه ملف عادي يمكن تسويته برشوة هنا، أو قبلة هناك. كل النقاشات الجارية توحي بأن في قيادة هذا القطاع، من أصحاب مصارف وموظفين إداريين، من لم يتنبّه إلى خطورة الانصياع الأعمى للمطالب الأميركية التعسفية.
مرات كثيرة، يُرفع الصوت حفظاً لمن يغامر، عن عمد أو عن تيه ومكابرة:
ليس في لبنان، والإقليم والعالم، من يقدر على منع الانهيار الكبير، وكشف المستور لمن يرغب في الاطلاع على كارثة وطنية، أين منها الإهمال أو الهدر أو الاعتداء على الحق العام... فهل من يتعظ؟

0 تعليق

التعليقات