مُصارعة الحارة... «آخ يا بلدنا»

  • 0
  • ض
  • ض

مِن سوء حظ شرطة اتحاد بلديّات الضاحية أنّه كان هناك كاميرا. لم يعد ممكناً، في زمن الفضاء الإلكتروني، أن يمرّ مقطع "فيديو" لعراك، فيه أسلحة حربية، ومشاهد "أكشن" بالأيدي والأرجل، ثم لا يكون حدثاً... مهما كانت الأسباب سخيفة.

لولا الكاميرا لمرّ ما حصل في حارة حريك، أول أمس، ككثير من العراكات التي تحصل يوميّاً، وبعضها أعنف، من غير أن تصبح "قضيّة".
ما الذي حصل؟ شرطة الاتحاد تصل قرابة التاسعة صباحاً إلى مقهى "القهوة". المكان: منطقة حارة حريك، في الحيّ المعروف بـ"باحة الشورى". المقهى لديه إنذار، لم يمضِ عليه أربع وعشرون ساعة بعد، لناحية إزالة كراسيه عن الرصيف. تلاسن، هرج ومرج، إطلاق نار في الهواء، اتهامات متبادلة، تضارب بالأيدي، تكسير لأثاث المقهى، سحل، ركل، صراخ، لا يُعرَف مَن يضرب مَن، مصارعة حرّة تماماً... حفلة جنون.
لا يُمكن مَن رأى المشهد المُصوّر أن يتبادر إلى ذهنه، وهو لا يعرف الحكاية، أن هذه عمليّة قمع مخالفة من جانب بلديّة. هذه جهة حكوميّة في نهاية الأمر. يُمكن المشهد أن يكون مفهوماً، بطريقة ما، لو كان له علاقة بعصابات مخدرات، مافيات مثلاً، وقد اختلفت في ما بينها. ما حكاية هذا المقهى؟ عمره أكثر من سنة بقليل. بدأ شراكةً بين شخص اسمه علي فياض وآخر اسمه محمد علي نصر الله. الأخير هو نجل السيّد حسن نصر الله. المهم، كثرت الأقاويل حول هذا المقهى، والبعض، ممن يملكون مواقع إلكترونيّة، ولا يُحبّون حزب الله، راحوا يتحدّثون عن أشياء "غير لطيفة" تحصل هناك. تسيّست الحكاية. في النهاية، باع محمد علي حصته، وترك المصلحة، ليحل مكانه شريك آخر اسمه حسن ناصر. البعض أمس سأل: هل أصبحت البلديّة الآن جريئة أكثر في قمع مخالفات المقهى؟ هو سؤال، ولكن، للأمانة، يُسجّل أن بلديّات الضاحية تقوم بحملة واسعة، في كل الأحياء، ومنذ مدّة لا بأس بها، لإزالة ما تعدّه تعدّيات... على الأرصفة تحديداً.


ثمّة كاميرا
سجّلت ما حصل، لكن هذا يحصل كل يوم

كان رئيس شرطة اتحاد البلديّات، علي فرّان، غاضباً أمس وهو يتكلّم. يقول: "عندما نأتي لكي نفرض القانون يحصل ما حصل، وتكال التهم لنا، ولكن لمصلحة من أن تبقى الفوضى في الضاحية؟". في أثناء الحديث معه، كان يعدّ البيان الذي سيصدره، وقد نقل خلاصته إلينا سمعيّاً، عبر الهاتف، وفيه: "استكمالاً لخطة قمع المخالفات والتعديّات على الأملاك العامة، وبعد شكاوى من مواطنين، قمنا بإنذار أصحاب المخالفات ضمن مهلة زمنيّة لإزالة تعدياتهم، إلا أن بعضهم لم يلتزم. عندما حضرنا أطلقوا النار، سباب وشتائم، فلم يكن منّا إلا أن طبّقنا القانون. وإذا كان هناك أخطاء حصلت من جانبنا فنحن نحاسب الفاعلين بحسب نظامنا الداخلي، كذلك نحاسب الطرف الآخر وفقاً للقانون وأمام القضاء". وعلى سيرة القضاء، تقدّم أصحاب المقهى بدعوى قضائيّة ضد اتحاد البلديّات، بجرم التعدّي بالضرب وتكسير الممتلكات وإطلاق النار. شقيق أحد صاحبي المقهى، كاظم فياض، الذي كان حاضراً في ساحة المعركة، يؤكد أن رجال الشرطة البلدية، الذين جاؤوا بالعشرات، وكانوا يحملون أسلحة رشاشة ومسدسات، هم من أطلقوا النار. يقول أيضاً: "والدي الشيخ، وهو معمّم، اعتدوا عليه أيضاً، ورغم أنه يحمل مسدساً إلا أنه لم يطلق النار، بل أخذوا مسدسه منه. ما حصل أن بعض زبائن المقهى، من الذين أغضبهم ما يحصل، هم الذين تصدوا لاحقاً لشرطة البلدية وحصلت بينهم مطاردات". بالمناسبة، عندما اتصلنا برئيس بلدية حارة حريك، زياد واكد، لنسأله عن رأيه بما حصل، أجاب: "المسألة ليست عندنا، هي عند الاتحاد، ليس لنا علاقة، تكلموا معهم". بدا كمن لا يُريد أن يورّط نفسه في المسؤولية. هو رئيس بلديّة، والمشكلة في نطاق بلديّته، ثم لا علاقة له بالأمر. لا بأس. تحصل هذه في أحسن البلديّات!
بعيداً عن كل هذا الهراء، السؤال: الضاحية إلى أين؟ نتكلم اليوم لأن ثمّة كاميرا سجّلت ما حصل. لكن هذا يحصل كل يوم. أبعد من الضاحية، من الشمال إلى الجنوب، يحصل هذا أيضاً. الفارق في النسبة فقط، فإلى أين؟ هل ثمّة من يناقش أن هذه البلاد، منذ مدّة بعيدة، لم تعد صالحة للعيش الطبيعي؟ الطبيعي فقط. لن يعرف هذا جيّداً إلا مَن عرف عيش "أحزمة ما دون الدولة"... وهو يعرف، في الوقت عينه، أنه يمكن الأشياء أن تكون في مستوى أقل من السفالة. أصبحنا نكرر أنفسنا. أصبحت حكايتنا في مستوى "ما فوق المَلَل".
بالمناسبة، في الاتصال مع قائد شرطة اتحاد بلديّات الضاحية، نقلنا له ما يُقال عن تعدّيات أخرى، على أرصفة أخرى، في أماكن أخرى، مشهورة ومعروفة، لم يقترب منها أحد، فقال: "آخ آخ". القائد يتألّم. حسناً، تحيّة إلى ذكرى الفنان "شوشو" يوم مثّل مسرحيّته "آخ يا بلدنا"... قبل أكثر من أربعين عاماً.

0 تعليق

التعليقات