دفعت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن معركة تحرير الموصل، البرلمان العراقي إلى استصدار قرار يرفض فيه قراراً صادراً عن نظيره التركي، قبل أيام، يتضمّن تمديد مهمة القوة العسكرية التركية الموجودة في محافظة نينوى شمال العراق، منذ عام تقريباً.وجاء في قرار البرلمان إلزام الحكومة باتخاذ الإجراءات القانونية والدبلوماسية المطلوبة من أجل إخراج القوات التركية من نينوى، وتسليم السفير التركي مذكرة احتجاج، ومطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن باتخاذ كل ما يلزم لذلك، إضافة إلى اعتبار القوات التركية محتلّة ومعادية.
وشدد القرار المؤلَّف من سبعة بنود، على رفض قرار البرلمان التركي تمديد مهمة القوة العسكرية المنتشرة في الموصل، ورفض تصريحات أردوغان الأخيرة و«المثيرة للانقسام بين مكوّنات الشعب العراقي».
وكان الرئيس التركي قد أكد بقاء قوات بلاده في الموصل، برغم اعترافه بانزعاج الحكومة العراقية. وقال إن تركيا ستشارك في محاربة «داعش» إلى جانب السعودية وقطر و«التحالف الغربي». ودعا إلى إبقاء العرب والأكراد والتركمان «الذين ينتمون للمذهب السني فقط» في الموصل.
ويبدو أن تصاعد حدّة الموقف العراقي إزاء تصريحات أردوغان سببها تجاوزه الأخير، عندما تحدث من دون تردّد عن مستقبل المدينة بشكل طائفي، وبأسلوب عزّز مخاوف عراقية من مخطط متّفق عليه، بين أنقرة والرياض بدعم أميركي، يستهدف الموصل. ولكن على الرغم من ذلك، لا يزال هناك سياسيون عراقيون، في مقدمتهم رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي وشقيقه محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، يصرّون على ضرورة مشاركة تركيا في المعارك المرتقبة ضد «داعش».
وجّه العبادي انتقادات لأي سياسي عراقي يساند سياسة تركيا تجاه العراق

في مقابل ذلك، وجّه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي انتقادات لأي سياسي عراقي قد يساند سياسة تركيا تجاه العراق. وقال في مؤتمر صحافي عقده بعد جلسة مجلس الوزراء: «ندعو إلى وحدة الموقف السياسي العراقي لكونه موضوعا سياديا، وأن لا يتحوّل أحدنا إلى مساند لدولة أجنبية، لها قوة عسكرية داخل العراق». وأضاف العبادي أنه «ليس من حق تركيا التدخل في مصير الموصل، وعلى الرئاسة التركية الانشغال بمشاكل تركيا الداخلية». وقلّل من الحجج التركية في مسألة الوجود في العراق، «كون أن الموصل لا تمثّل تهديداً لتركيا، ذلك أنها بعيدة عن الحدود التركية». من جهته، طالب رئيس كتلة «صادقون» حسن سالم، بتشخيص الجهات السياسية العراقية التي تقبل سياسات تركيا تجاه العراق. وقال لـ«الأخبار» إن «القوى العراقية جميعها مطالبة بموقف واحد»، مضيفاً أنه «يجب تشخيص المتواطئين مع أردوغان ومشاريع التقسيم، ومحاسبتهم بتهمة الخيانة العظمى».
وعلى المستوى ذاته، عقد عدد من النواب مؤتمرات صحافية عدة، وألقى بعضهم كلمات خلال جلسة البرلمان طالبوا فيها بطرد السفير التركي، وسحب السفير العراقي من أنقرة. ومن هؤلاء النائب عن الموصل أحمد الجبوري، الذي شدد أيضاً في كلمة ألقاها نيابة عن «جبهة الإصلاح» (تضم ممثلين عن الأقليات في المدينة)، على «مقاطعة البضائع التركية ومخاطبة مجلس الأمن لإخراج القوات التركية، واعتبارها قوات معادية».
من جهته، أكد النائب عن «ائتلاف دولة القانون» عباس البياتي أن مجلس النواب شهد أكثر من بيان يدعو الحكومة للرد على قرار البرلمان التركي، وأشار في حديث لـ«الأخبار» إلى أن قرار البرلمان التركي لا ينسجم مع القرارات والقوانين الدولية، ولا بدّ أن تنسحب القوات التركية من العراق. وشدّد على أن «الإصرار التركي على البقاء في الموصل يزيد من مخاوف الشارع العراقي من أنّ هناك أطماعاً ومخططات تستهدف البلاد». ولكن البياتي نوّه إلى أنّ العراق «لم يستخدم كل الوسائل السلمية، حتى الآن»، مؤكداً أنّ «كل العالم معنا، أما طرد السفير فهو مرحلة متقدمة لم يحن أوانها بعد».
من جهة أخرى، جاءت تصريحات أردوغان لتزيد من تكهنات مفادها أن مرحلة «العراق ما بعد داعش» تعرقل سير المعارك ضد هذا التنظيم، وخصوصاً في الموصل. ويشير البعض في هذا المجال، إلى أنّ أنقرة تخطط للاستيلاء على الموصل بحجة تخليصها من «داعش» في ظل اتفاق إقليمي يجمعها مع السعودية، التي تخطط أيضاً لفرض سيطرة اقتصادية وسياسية على مناطق أخرى في العراق، كان قد جرى تحريرها من «داعش».
وفي هذا الإطار، قال الباحث السياسي ماجد الحسني إن «أردوغان أفصح بما يفكر به، وخصوصاً أنه ذكر لأول مرة السعودية وقطر إلى جانب بلاده، وهذا يعني أن المناطق الشمالية الغربية ستخضع لمزايدات إقليمية وتُذكي مشاريع تقسيم العراق».
وأوضح الحسني في حديث لـ«الأخبار»، أنّ غالبية التوقعات بدأت تتحوّل إلى حقيقة، ذلك أن «أنقرة والرياض تريدان تقاسم السيطرة على المناطق المحرّرة من داعش بدعم سياسيين عراقيين».