للمرة السادسة على التوالي، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدين إسرائيل ويطالبها بتعويض فوري وكافٍ بشأن «البقعة النفطية على الشواطئ اللبنانية». يندرج التصويت الذي حاز ١٥٨ صوتاً مع، ٧ أصوات ضد، و٣ أصوات امتناع، ضمن البند المتعلق بـ«التنمية المستدامة»، المدرج على جدول أعمال الدورة الـ ٦٦ للجمعية العامة. وهو نسخة منقحة عن خمسة قرارات للجمعية العامة (١٨٨/٦٢،١٩٤/٦١، ٢١١/٦٣، ١٩٥/٦٤، ١٤٧/٦٥)
صدرت في السنوات السابقة عقب قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي المتعمّد لصهاريج النفط المجاورة لمحطة توليد الكهرباء في الجية في اليوم الثالث لعدوان تموز ٢٠٠٦، ما أدى إلى تسرّب 15 ألف متر مكعب من الفيول إلى البحر، أصابت ما يقارب 150 كيلومتراً من شواطئ لبنان، وصولاً إلى الشواطئ السورية.
ورغم أن القرار أبصر النور في ١٧ تشرين الثاني الماضي، لم تكلّف وزارة الخارجية نفسها عناء إبلاغ الرأي العام عن هذا «الإنجاز» الدبلوماسي لبعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وخصوصاً أن عام ٢٠١١ امتاز بأنه عام الدبلوماسية اللبنانية في نيويورك، إذ ترأس لبنان جلسات مجلس الأمن الدولي بمشاركة متقطعة لرئيسي الجمهورية والحكومة وحضور وزيري الخارجية والمغتربين والبيئة. لكن البريق الأممي كان خافتاً جداً في ما يتعلق بملفات النزاع بين إسرائيل ولبنان، والتي يصنّف قرار التعويض عن البقعة النفطية بأنه أبرزها. يمكن القول إن الدبلوماسية اللبنانية، في ما يتعلق بهذا القرار، تشبه حال الدبلوماسية الكوبية في ما يتعلق بقرار إدانة الحصار الأميركي المفروض عليها، إذ تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بشبه إجماع، وللسنة العشرين على التوالي، قراراً بغالبية 186 صوتاً يدين هذا الحصار، لكن مفاعيله لا تزال مجمّدة منذ عقدين من الزمن!
المفارقة أن الولايات المتحدة الأميركية التي قدمت مساعدة بقيمة ٥ ملايين دولار لتنظيف الشاطئ اللبناني، صوّتت للسنة السادسة أيضاً ضد هذا القرار، وانضمت إليها في المعارضة حليفتها إسرائيل وكل من كندا وأوستراليا وجزر مارشال وميكرونيزيا وناورو. وإذا كان مفهوماً أن تلتحق الدول الجزرية الصغيرة بشكل كامل بالقرار الأميركي، فإن التصويت الكندي ضد لبنان مستجد وذلك نتيجة ضغط لجنة الصداقة الإسرائيلية الكندية.
وفي قراءة للفقرات التنفيذية التي تضمنها القرار الجديد، كرّرت الجمعية العامة الإعراب عن عميق قلقها إزاء الآثار السلبية الناجمة عن قيام القوات الإسرائيلية بتدمير صهاريج النفط في معمل الجية، وأعادت التأكيد على طلبها إلى الحكومة الإسرائيلية أن تتحمّل المسؤولية عن تقديم تعويض فوري وكافٍ والتعويض لحكومة وشعب كل من لبنان والجمهورية العربية السورية المتضررين بالتسرب النفطي، عن تكاليف إصلاح الضرر البيئي الناجم عن التدمير، بما في ذلك إعادة البيئة البحرية الى حالتها السابقة، وخاصة في ضوء الاستنتاج الوارد في تقرير بان كي مون بأن القلق لا يزال شديداً إزاء عدم تنفيذ الأحكام ذات الصلة من قرارات الجمعية العامة بشأن تكاليف الإصلاح. كما طلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة مواصلة بحث خيار تأمين التعويضات من جانب الحكومة الإسرائيلية والوقوف على مدى قيمة تجربة لجنة الأمم المتحدة للتعويضات لجهة تعريف الضرر البيئي في حالة مثل حالة البقعة النفطية هذه، في قياس حجم الضرر الحاصل واحتسابه وفي تحديد مقدار التعويض الواجب دفعه.
ومن المعلوم أنّ الحكومة الإسرائيلية ترفض تحميلها أي مسؤولية عن دفع تعويض فوري وكافٍ للحكومة اللبنانية. وقد وجّه فرع «حالات ما بعد انتهاء النزاع وإدارة الكوارث» التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة للبعثة الدائمة لإسرائيل لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، رسالة مكرّرة حول هذا الموضوع، من دون الحصول على إجابة.
يستنتج من التجاهل الإسرائيلي أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تمتلك وفق قواعد القانون الدولي صلاحية إلزام إسرائيل بدفع التعويضات، ولا صلاحية إنشاء لجنة تعويضات شبيهة بتلك التي أنشئت عقب حرب الخليج، إلا أنها يمكن أن توصي مجلس الأمن بإنشاء هذه اللجنة، وهذا ما لم يتضمنه القرار الجديد، رغم أن دراسة قانونية أوصت وزارة الخارجية اللبنانية بالسعي إلى تضمين القرار الجديد هذا الأمر. لكن على ما يبدو أن وزراء الخارجية المتعاقبين، والمحسوبين على طرف سياسي يفترض أنه يعتبر ملف مقاضاة إسرائيل أولوية وطنية، قد تجاهلوا ثلاثة خيارات متعلقة بإلزام إسرائيل والمجتمع الدولي بدفع التعويضات وهي: طلب المساعدة من لجنة التراث العالمي وغيرها من الهبات المعتمدة ضمن اتفاقية حماية التراث العالمي والوطني، الطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة أن ترفع طلباً للحصول على رأي استشاري غير ملزم من محكمة العدل الدولية، ودرس خيار تحويل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية. وهذه الخيارات غير مرتبطة، ولا تحتاج إلى موارد مالية كبيرة. كما أن بإمكان لبنان أن يرفع دعوى قضائية أمام إحدى المحاكم الوطنية التي تنظر في قضايا جرائم الحرب غير المرتكبة على أرضها، على أن يجري درس هذا الخيار كخطوة أخيرة، وأن يتم التوسع في الدعوى لتشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولا سيما المجازر المرتكبة في عدواني ١٩٩٦ و٢٠٠٦.



إضاعة وقت!


ذكر القنصل اللبناني توفيق جابر (الصورة)، خلال جلسة الجمعية العامة أن إسرائيل انتهكت ٨٩ قراراً صادراً عن مجلس الأمن، وأكثر من ١٠٠ قرار صادر عن الجمعية العامة، منتقداً عدم تطبيق عقوبات ضدها. بدوره، أعرب القنصل الإسرائيلي شولي دافيدوفتش عن أسف بلاده للقرار «الذي يحرّك بدوافع سياسية». وأضاف «إن الأمم المتحدة تضيّع وقتها في النظر في هذه السخرية». ولم ينس التذكير بتقرير برامج الأمم المتحدة للبيئة عقب حرب تموز، الذي قلّل من أهمية الأثر البيئي للحرب، علماً بأن مساعدة يونانية بقيمة 1.6 مليار دولار لا تزال مجمّدة نتيجة رفض لبنان لهذا التقرير المنحاز.