يكاد يلتقي الافرقاء المعنيون على ان لا رئيس للجمهورية في ما تبقى من هذا الشهر بعد انقضاء الجلسة 46 للانتخاب على غرار سابقاتها. يجتمعون على ان تشرين الثاني يحمل فرصة محتملة ربما تظل غير قاطعة. يوافقون على ان لا مرشح جدياً الا واحداً هو الرئيس ميشال عون، وان استدارة الرئيس سعد الحريري جدية قبل ان تكون حاسمة، فيما يعتقد بعض نواب كتلته انها لن تكون جازمة. يراقبون مغزى كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عشية عاشوراء وفي يوم الذكرى حينما ضاعف من تشجيعه الحريري على المضي في خيار حزب الله انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
بلا عون لا قرع لابواب السرايا، وبلا الحريري لا يبيت عون في قصر بعبدا
الحريري هنا لا يرشح عون، بل يزكّي ترشيحاً انبثق بادىء بدء من صاحبه اولاً ولا يزال في الواقع مستمراً منذ عام 2008، ثم اضحى خياراً نهائياً لحزب الله لا تنازل عنه.
في اوساط المحيطين بعون انهم قبالة حريري آخر، منقّح، لا يشبه ما كان عليه ما بين عامي 2005 و2016، وخصوصاً حينما كان على رأس قوى 14 آذار. يبصرون هذه المرة سياسياً بدأ التقشف ينضجه. صارت امبراطوريته المالية خارج السمع، ولم تعد امواله تفتح ابواباً وتوصدها. بل خرج من بيته مَن راح يجهر بتعاونه مع شقيقه بهاء كالوزير اشرف ريفي.
ربما، بكثير من المغالاة مغطاة بكثير من الاوهام، يرى هؤلاء ان الرئيس السابق للحكومة اضحى اكثر قدرة على سلوك خيار مستقل. بينهم مَن يعتقد ايضاً، رغم ذلك كله، ان الوقت لم يحن بعد كي يفصح الحريري عن تأييده عون، وحمل كتلته المنقسمة على نفسها على الاقتراع له.
لكن ثمة ما لا يلتقي عليه الافرقاء هؤلاء بعد، وان بدت لهم علامات استفهام تحوط بطراز مهم من الغموض هو: هل تريد سوريا الحريري رئيساً للحكومة؟
تكّونت لدى الافرقاء المعنيين معطيات عن حصيلة زيارتي الوزير وائل بوفاعور، موفداً من النائب وليد جنبلاط، للرياض واجتماعه بمدير الاستخبارات خالد حميدان، خرج من اولاهما بانطباع ملتبس، ومن ثانيتهما بموقف سلبي. تالياً، خلافاً لاجتماع باريس ــــ 1 في تشرين الثاني 2015 بين الحريري والنائب سليمان فرنجيه وقد حظي بدعم سعودي ــــ فرنسي ترجمته الشهر التالي في كانون الاول مكالمة الرئيس فرنسوا هولاند طويلاً بنائب زغرتا، فان اجتماع باريس ــــ 2 بين الحريري ــــ وليس ابن عمته ومدير مكتبه نادرالحريري ــــ والوزير جبران باسيل ليل 14 ايلول، لم يحظَ بتأييد مماثل ما طبع جهود الرئيس السابق للحكومة مذ ذاك غامضة وضائعة.
على ان ما يشكو منه ليس فقدان هذا الغطاء فحسب. ثمة باب على مشكلة اكثر تعقيداً في طريق مضي الحريري في الانضمام الى ترشيح عون. المعادلة المحورية لهذا الخيار: عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة. من دون الاول، لا قرع لابواب السرايا. ومن دون الثاني لا يبيت الآخر في قصر بعبدا. على نحو كهذا جعلتهما المعادلة توأمي الاستحقاق الرئاسي.
الا ان لدمشق موقفاً مغايراً يقع في صلب انتخابات الرئاسة اللبنانية، يتركز على معلومات متوافرة لدى اكثر من طرف واسع التأثير، منها:
1 ــــ لن توافق دمشق على وصول الحريري الى رئاسة الحكومة وإن ليوم واحد. موقف وصل الى بيروت قبل اقل من اسبوعين من خلال شخصية صديقة للرئيس بشار الاسد، في الساعات التالية لاجتماع الرئيس السابق للحكومة برئيس تكتل التغيير والاصلاح في 30 ايلول.
2 ــــ تتهم دمشق الحريري ـــــ من بين متهمين آخرين ــــ بالمساهمة في تسعير الحرب السورية منذ اليوم الاول لاندلاعها في درعا ثم انتقالها الى حمص، من خلال مدّ حركات الاحتجاج بالمال عبر بعض معاونيه لبثوا في تركيا ونشطوا من هناك، عندما كانت الاحداث حينذاك في مطلعها تظاهرات وحركات احتجاج. تذهب الى ابعد من ذلك بالقول ان الحريري «ضالع في اهدار الدم السوري».
3 ــــ حزب الله ليس بعيداً من اطلاعه على هذا الموقف الذي يحرجه، الا انه هو الآخر شريك الرئيس السوري في المواجهة التي يخوضها الاخير على ارض بلاده. ما بات يجمعهما في الحرب السورية اكثر اهمية، كشريكين ايضاً في المحافظة على النظام، من مقاربة تفاصيل الاستحقاق الرئاسي اللبناني. بيد ان هذا الموقف لا يقلل من اصرار الحزب على وصول حليفه الى رئاسة الجمهورية.
4 ـــــ احيط عون علماً بهذا الموقف السبت الفائت في الاجتماع الدوري الذي يعقده مع عدد من معاونيه، اذ تبلغ به من احدهم.